أزمة إنسانية: النساء السودانيات تحت وطأة العنف الجنسي في الحرب
في قلب الصراع السوداني المستمر تتكشف قصص مرعبة لمئات النساء والفتيات اللاتي يعانين من اعتداءات جنسية بشعة تتضمن الاغتصاب والاستعباد الجنسي والزواج القسري.
تتزايد هذه الجرائم مع اتساع رقعة الحرب، ومع كل يوم جديد تتحطم حياة النساء والفتيات اللواتي يجدن أنفسهن ضحايا لقسوة الميليشيات المسلحة.
إن هذه الجرائم البشعة ليست مجرد أعمال عنف فردية، بل هي جزء من استراتيجية منظمة لتحطيم المجتمع وتمزيق نسيجه من خلال إرهاب النساء وإذلالهن وتحويل أجسادهن إلى ساحات للمعركة.
في مايو 2023، وقعت إحدي المواطنات السودانيات ضحية لهذه الأعمال الوحشية عندما تعرضت للاعتداء على يد أفراد من قوات الدعم السريع. تم اختطافها مع نساء أخريات واقتيادهن إلى منزل في جبرة بالخرطوم، حيث تم اغتصابهن وضربهن حتى فقدن الوعي.
لم تقتصر المأساة على هذا، بل شاهدت سمر قتل سبع أو ثماني فتيات أمام عينيها، ما زاد من وقع الصدمة النفسية التي ما زالت تعاني منها حتى الآن.
سمر ليست حالة فردية، بل واحدة من مئات النساء اللاتي يتعرضن لاعتداءات مماثلة، حيث تنتشر الجرائم الجنسية كالنار في الهشيم في ظل التدهور الأمني والانهيار الكامل للخدمات الاجتماعية والصحية.
إن الوصول إلى المستشفيات أصبح ضرباً من المستحيل، ما يعقد الأمور أكثر بالنسبة للنساء اللواتي يحتجن إلى علاج طبي عاجل أو دعم نفسي.
وفي ظل الفوضى، تغيب الإحصائيات الدقيقة لعدد الضحايا، لكن التقارير تشير إلى مئات الحالات، مما يشير إلى أن هذه الجرائم ليست استثناءً بل نمطاً متكرراً يُستخدم كسلاح حرب.
في سياق هذه المأساة، تشير الإحصائيات الصادرة عن حملة “معاً ضد الاغتصاب” إلى وجود 505 حالات اعتداء جنسي منذ بداية الحرب حتى يوليو 2024، بينما يقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن هناك نحو 6.9 ملايين امرأة وطفلة في السودان معرضات للعنف الجنسي.
ومع انتشار الحرب وتفاقمها، يبدو أن هذه الجرائم تزداد بشكل يومي، مما يترك أثراً مدمراً على الصحة النفسية والجسدية للمجتمع السوداني.
واحدة من تلك القصص المروعة هي قصة أم سودانية التي تعرضت للاغتصاب أمام أطفالها أثناء نزوحها من ولاية الجزيرة. وعندما أبلغت زوجها بما حدث، لم تلقَ دعماً أو تفهماً، بل تم طلاقها، لتترك مع أطفالها في وضع اقتصادي واجتماعي مزرٍ.
تظل سلمى واحدة من بين العديد من النساء اللواتي يجدن أنفسهن وحيدات في مواجهة العواقب النفسية والاجتماعية لهذه الاعتداءات البشعة.
ليس الاغتصاب وحده هو الذي يدمر حياتهن، بل إن الصمت المجتمعي والوصمة الاجتماعية التي تحاصرهن تعمق الجراح وتزيد من آلامهن.
لا تتوقف مأساة النساء عند حدود الاعتداءات الجنسية فقط، بل تتعداها لتشمل حالات الحمل القسري والإجهاض غير الآمن والزواج القسري. بعض النساء يجدن أنفسهن عالقات في هذه الكارثة دون أي مخرج.
في أغسطس 2024، توفيت إحدي الفتيات بعد معاناتها من التهابات حادة جراء تعرضها للاغتصاب في فبراير من نفس العام في ولاية الجزيرة، قصة تلك الفتاة واحدة من آلاف القصص التي تدل على تدهور الأوضاع الصحية للنساء في السودان في ظل عدم القدرة على الوصول إلى الرعاية الطبية المناسبة.
بالإضافة إلى ذلك، أكدت أن العديد من النساء والفتيات تعرضن للاختطاف والاغتصاب في دارفور، حيث تم احتجازهن كرهائن واستخدامهن كأدوات للترهيب والإذلال.
تعكس هذه الجرائم النمط المتكرر لاستخدام الاعتداءات الجنسية كسلاح للحرب، وهو أمر يعيد إلى الأذهان ما حدث في دارفور في 2003 والنيل الأزرق، حيث تم استخدام العنف الجنسي بشكل واسع ضد النساء والفتيات.
من بين الشهادات المؤلمة التي تم توثيقها، شهادة الفتاة هدى التي تعرضت للاغتصاب في معسكر الحميدية بدارفور. اكتشفت مواطنة سودانية بعد مرور ثلاثة أشهر على الاعتداء أنها حامل، وهي الآن أم لطفل تواجه معه وصمة مجتمعية تجعل من حياتها جحيماً مستمراً.
قصة المواطنة السودانية تسلط الضوء على ظاهرة الحمل الناتج عن الاغتصاب التي أصبحت شائعة في ظل الحرب، حيث تواجه النساء الحوامل قسراً صعوبات جمة في الحصول على الرعاية الطبية والإجهاض الآمن.
الأطباء الذين لا يزالون يعملون في المستشفيات المتبقية في السودان يحذرون من ارتفاع معدلات الأمراض المنقولة جنسياً نتيجة انتشار الاغتصاب والعنف الجنسي.
ومع ذلك، لا تتوفر الرعاية الصحية في الوقت المناسب بسبب تدمير البنية التحتية الصحية وانعدام الأمن، وهو ما يفاقم من مأساة النساء اللواتي يعانين في صمت.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فحتى في حالة وصول الضحايا إلى المستشفيات، فإن الوصمة الاجتماعية تعيق الحصول على الرعاية الطبية اللازمة.
في ظل هذه الظروف الكارثية، تشير التقارير إلى أن العديد من النساء والفتيات اللواتي تعرضن للاغتصاب يواجهن صعوبة في التبليغ عن الجرائم بسبب توقف أقسام الشرطة عن العمل في المناطق التي تجتاحها الحرب.
حتى في حالة الإبلاغ، يواجه الناجون صعوبات قانونية كبيرة، حيث يتعذر تحديد هوية الجناة في كثير من الأحيان نظراً لتورط أفراد من القوات النظامية في ارتكاب هذه الجرائم.
المحامية إنعام عتيق أكدت أن العديد من البلاغات المتعلقة بحالات الاغتصاب توقفت عند مرحلة التحري ولم تُحل إلى المحكمة بسبب تعطل الأجهزة العدلية.
أشارت أيضاً إلى أن الناجيات من الاغتصاب يجدن صعوبة كبيرة في الحصول على حقوقهن، سواء من الناحية القانونية أو الطبية، وهو ما يعكس حجم الفجوة بين النصوص القانونية والواقع المعاش.
في هذا السياق، تحدثت مديحة أحمد ناشطة حقوقية في إحدي الحملات المناهضة للعنف والاغتصاب عن ضرورة توفير الدعم الطبي والنفسي العاجل للناجيات، بما في ذلك الرعاية الصحية الشاملة وتقديم العلاج الوقائي ضد الأمراض المنقولة جنسياً.
أشارت أيضاً إلى أن الدعم النفسي يجب أن يتضمن برامج علاج مكثفة لمساعدة الناجيات على التعامل مع الصدمات التي تعرضن لها، إلا أن هذا الدعم وحده لا يكفي في ظل استمرار الحرب وتدهور الأوضاع العامة.
تتزايد الدعوات الدولية لوقف العنف الجنسي في النزاعات، ففي يونيو 2024، أصدرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بياناً بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف الجنسي في النزاعات، أكدت فيه توثيق 133 حالة عنف جنسي مرتبطة بالنزاع، محذرة من أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر بكثير نظراً لصعوبة التبليغ في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة.
أشار البيان أيضاً إلى أن الهجمات على المراكز الصحية تعوق بشكل كبير تقديم الرعاية اللازمة للناجيات، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الصحية في البلاد.
وبينما تستمر الحرب، تظل قصص سمر وسلمى وهدى وغيرها من النساء ضحايا الاعتداءات الجنسية شاهداً على وحشية الصراع في السودان.