نقابة الصحفيين تكشف تواطؤ البرلمان في تمرير قانون يقوض حقوق المصريين
في خطوة جريئة، أرسلت نقابة الصحفيين المصرية، بقيادة نقيبها خالد البلشي، ردًا شديد اللهجة إلى مجلس النواب بشأن مشروع قانون الإجراءات الجنائية،
حيث جاء الرد في 47 صفحة من الملاحظات القانونية التي أعدتها اللجنة القانونية التابعة للنقابة، ليكشف هذا التقرير عن تقاعس حكومي فاضح تجاه حقوق المواطنين وحرياتهم ويؤكد أن الحكومة المصرية ماضية في تكريس الفساد وتعزيز الانتهاكات المستمرة.
وفي خطاب شديد اللهجة إلى المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، شدد البلشي على أن النقابة تعارض بشدة بعض النصوص المقترحة في مشروع القانون، خاصة تلك التي تتعلق بحرية الصحافة والإعلام،
مؤكدا أن تجاهل البرلمان للنقاش المجتمعي اللازم حول هذا القانون يمثل خطوة كارثية تهدد حقوق وحريات المواطنين كافة، وليس الصحفيين وحدهم.
انتهاك لحقوق الشعب .. وتلاعب بالنصوص الدستورية
إن ما يتكشف من خلال تعقيب نقابة الصحفيين هو أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية لا يمثل فقط انتهاكًا صارخًا لحقوق المواطنين، بل إنه يتجاوز الدستور المصري نفسه والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها مصر.
فقد أكدت النقابة، عبر ملاحظاتها، أن القانون المقترح يتضمن 42 مادة مخالفة للدستور أو للعهود الدولية، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مما يعني أن تمريره سيؤدي إلى كارثة قانونية ودستورية من شأنها تقويض مبدأ العدالة نفسه.
وفي هذا السياق، أشار البلشي في خطابه إلى أن المحكمة الدستورية العليا كانت قد وضعت في أحكامها مبادئ ثابتة لحماية الحقوق والحريات العامة، وأنه لا يجوز للمشرع أن يفرغ أي حق من مضمونه تحت ذريعة تنظيمه.
ومع ذلك، فإن البرلمان يبدو أنه عازم على تمرير قانون مليء بالثغرات والعيوب القانونية التي يمكن أن تستخدم مستقبلاً كأداة قمع إضافية ضد المواطنين.
تجاهل متعمد لمطالب الحماية وإصرار على انتهاك الحريات
أبرز ما أثار قلق نقابة الصحفيين هو أن مشروع القانون لم يتطرق بشكل كافٍ إلى حماية الشهود والمبلغين، حيث أشارت ملاحظات النقابة إلى أن النصوص المتعلقة بهذا الموضوع جاءت قاصرة بشكل يدعو للقلق، حيث احتوت على ست مواد عامة لا تكفي لتوفير الحماية المطلوبة.
وأكدت النقابة أن أغلب الدول المتقدمة تعتبر حماية الشهود والمبلغين أمرًا بالغ الأهمية وتخصص له قوانين مستقلة تفصيلية، وهو ما تفتقر إليه النسخة الحالية من القانون المصري المقترح، مما يزيد من خطر تراجع الشفافية وتشجيع الإفلات من العقاب.
تحذير من كارثة أمنية: مشروع القانون يفتح الباب لانتحال صفة مأموري الضبط
وفي جزء لا يقل خطورة، انتقدت نقابة الصحفيين في تعقيبها عدم وضوح النصوص المتعلقة بضرورة تحديد هوية مأموري الضبط القضائي ورجال السلطة العامة عند قيامهم بأعمال القبض أو التفتيش.
فالقانون بصيغته الحالية لا يلزم هؤلاء الأشخاص بالكشف عن هويتهم بشكل واضح وصريح، مما قد يؤدي إلى كارثة أمنية حقيقية تتمثل في انتحال المجرمين والإرهابيين صفة رجال السلطة العامة، وارتكاب جرائم قبض واحتجاز دون وجه حق،
وهو ما يمكن أن يزيد من حالة الفوضى والانفلات الأمني في البلاد. ومع ذلك، فإن مجلس النواب يبدو وكأنه يغض الطرف عن هذا الخطر الجسيم، مما يعكس حالة من التهاون الصارخ.
هجمة شرسة على حرية الصحافة: تشديد القيود على التغطية الإعلامية للمحاكمات
ومما يزيد من جسامة التحدي الذي يواجهه الصحفيون في مصر، هو المادة 266 من مشروع القانون التي تفرض قيودًا صارمة على نقل أو بث وقائع الجلسات القضائية، حيث لا يمكن بثها أو نقلها إلا بموافقة رئيس الدائرة وبعد أخذ رأي النيابة العامة.
هذا النص يمثل ضربة قاصمة لحرية الصحافة والإعلام، حيث تعتبر تغطية المحاكمات جزءًا جوهريًا من العمل الصحفي، وتسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة في النظام القضائي.
وأكدت النقابة أن المادة المذكورة تشكل تهديدًا مباشرًا لحرية الصحافة، وطالبت بتعديلها لتصبح الجلسات علنية بشكل عام، مع إمكانية أن تصدر المحكمة قرارًا مسببًا بعقد الجلسات في السرية في حالات استثنائية فقط، وبما يضمن ألا يتم تقييد حرية الإعلام دون مبرر واضح.
مشروع قانون يفتقر إلى العدالة .. ويمهد لمزيد من القمع
إن النقابة، من خلال تقريرها المفصل، حذرت من أن مشروع القانون الحالي، بصيغته الحالية، يهدد بتقويض نظام العدالة في مصر ويعرض حقوق المواطنين للخطر.
ومن المثير للقلق أن الردود التي قدمها مجلس النواب على ملاحظات النقابة لم تكن سوى محاولات هزيلة لتبرير انتهاكات دستورية وقانونية جسيمة، بدلاً من الاعتراف بالحاجة الملحة لإجراء تعديلات جوهرية تضمن حماية الحقوق والحريات.
نحو حوار مجتمعي واسع
ختامًا، شددت نقابة الصحفيين على ضرورة إجراء حوار مجتمعي واسع حول مشروع القانون قبل إقراره، مؤكدة أن ما تقدمه من ملاحظات ليس مجرد دفاع عن حقوق الصحفيين، بل هو دفاع عن حقوق الشعب المصري بأسره.
كما أعلنت النقابة عن نيتها إرسال رد مجلس النواب وتعقيبها عليه إلى جميع الصحفيين النواب والهيئات البرلمانية للأحزاب من أجل إثراء النقاش العام حول هذا القانون.
إن ما نشهده اليوم هو حالة من الفساد الحكومي الواضح والتقاعس في حماية حقوق المواطنين، في وقتٍ تتزايد فيه انتهاكات حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
فإقرار هذا القانون بهذه الصيغة يعني السير نحو مستقبل أكثر قتامة، حيث تصبح العدالة مجرد شعار فارغ، ويظل القمع هو القانون الحقيقي الذي يحكم البلاد.