تقاريرمصر

قانون الإجراءات الجنائية الجديد .. تشريع معيب واجتماعات بلا جدوى تُضيّع حقوق الشعب

مصر اليوم تقف على حافة كارثة قانونية جديدة بفضل حكومة متقاعسة ولجنة برلمانية غير كفء فبعد 14 شهرًا من الاجتماعات المتكررة والمشاورات العقيمة واللقاءات الفارغة،

خرجت اللجنة الفرعية المكلفة بإعداد وصياغة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد بمجلس النواب بمشروع قانون مليء بالثغرات والعيوب، لا يعزز حماية حقوق الإنسان كما يدّعون،

بل يفتح الباب لتعسف السلطة والإضرار بالعدالة المصرية ومن الجدير بالذكر أن هذه اللجنة، التي ترأسها النائب إيهاب الطماوي، قد عقدت 28 اجتماعًا على مدار 14 شهرًا ولكن دون تقديم أي حل فعلي للمشكلات الحقيقية التي تواجه النظام القضائي.

تعديلات مشبوهة تنذر بمزيد من القمع

التعديلات الأخيرة التي أدخلتها اللجنة على القانون تُظهر بوضوح كيف تتلاعب الحكومة بالقوانين لصالحها، وتجاهلها التام لحقوق المواطنين من بين التعديلات المثيرة للجدل ما يتعلق بصلاحيات الضبطية القضائية التي تم توسيعها بطريقة قد تُستخدم لتعسف في استعمال السلطة بدلاً من الحد منها في ظل القانون الحالي،

كانت الصلاحيات محدودة بيد رئيس المحكمة الابتدائية فيما يخص تتبع الهاتف ووسائل الاتصال، إلا أن التعديل المقترح يمنح القاضي الجزئي نفس الصلاحيات مما يفتح المجال أمام قرارات عشوائية وغير مدروسة قد تمس حرمة المواطنين دون رقابة حقيقية من قبل القضاء الأعلى

وهذا التوسع في صلاحيات الضبطية القضائية يُنذر بإمكانية استغلال هذه الصلاحيات بشكل خاطئ، ويعكس استغلال النظام للقانون لقمع الأصوات المعارضة والسيطرة على الحريات العامة.

إهانة حقوق المحامين ومحاولة كسر شوكتهم

إن المآسي القانونية التي يضمها هذا المشروع لا تقف عند حقوق المواطنين فقط، بل تمتد إلى المحامين أنفسهم المادة 73 في القانون المقترح أضافت عبارة إذا اقتضت مصلحة التحقيق التي تُمكن النيابة العامة من منع المحامين من الاطلاع على أوراق التحقيقات في حال رأت ذلك متعارضًا مع مصلحة التحقيق هذا التعديل يضع المحامين في موقف ضعيف ويُضعف حقوق الدفاع التي تُعد أساسًا جوهريًا في أي نظام قضائي عادل

في مصر بات من الواضح أن النظام القضائي يتجه نحو تقييد حرية الدفاع وتحجيم دور المحامين بدلاً من تعزيز هذه الحقوق، وهذه الخطوة تُعد إشارة واضحة على أن الحكومة تسعى إلى التحكم الكامل في مسار العدالة، وضمان ألا يكون هناك من يعترض أو يكشف عن التجاوزات القانونية التي قد ترتكبها السلطات.

التلاعب بالمصطلحات القانونية .. بوابة جديدة للفساد

أحد أكبر أوجه الفساد التي شابت هذا القانون هو التعديل المتعلق باستبدال عبارة عاهة عقلية بـ اضطراب عقلي في المواد الخاصة بالمسؤولية الجنائية والمصطلح الجديد المطاطي يُعطي السلطة القضائية مجالاً واسعًا للتفسير الشخصي الذي يمكن استغلاله بطريقة تعسفية لإلقاء تهم باطلة على الأفراد أو لتبرير قرارات قضائية غير منطقية هذا التعديل الخطير يُنذر بأن السلطة الحاكمة تسعى إلى صياغة قوانين يمكن تطويعها لتناسب أجنداتها الخاصة، دون أن تضع في اعتبارها العدالة أو حقوق الإنسان.

خطة للتفريط في حقوق الإنسان تحت ستار التحديث

النائب إيهاب الطماوي يدّعي أن اللجنة وضعت مشروع القانون بالتوافق مع الدستور والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي لكن الحقيقة مختلفة تمامًا فالحديث عن حقوق الإنسان يبدو مجرد شعار فارغ تهدف الحكومة من خلاله إلى تحسين صورتها الدولية،

بينما تنتهك على أرض الواقع تلك الحقوق من خلال تعديلات قانونية تُشرعن قمع حرية التعبير والتضييق على الخصوصية الشخصية للمواطنين إن إصرار الحكومة المصرية على تمرير هذا القانون يُظهر بشكل واضح كيف أن مشروع تحديث القوانين لا يسعى إلى حماية حقوق الإنسان بقدر ما يسعى إلى تعزيز هيمنة النظام الحاكم على السلطة القضائية.

منظومة قضائية منهارة ومحاكمات بطيئة

ورغم كل الادعاءات بأن التعديلات الجديدة تهدف إلى تحديث القانون ليواكب التطورات الحديثة ويعزز كفاءة العملية القضائية، فإن الواقع يكشف أن المنظومة القضائية المصرية منهارة بالكامل حيث إن هذا القانون، الذي لم يتم تحديثه بشكل جذري منذ عام 1950،

ما زال عاجزًا عن مواكبة التغيرات القانونية الحديثة ورغم مرور أكثر من 70 عامًا على إصدار قانون الإجراءات الجنائية إلا أن التعديلات المقترحة اليوم لن تفعل شيئًا سوى إطالة أمد المحاكمات، وتعقيد الإجراءات، وتقييد حقوق الدفاع إن الحديث عن تطوير نظام العدالة في مصر بات مجرد كذبة كبرى يُحاول من خلالها النظام الحاكم خداع الشعب وإيهامهم بأن العدالة قائمة، بينما هي غائبة تمامًا.

الانقسام حول القانون ليس إلا محاولة لتغطية الفساد

من المثير للسخرية أن الحكومة تزعم أن هذا القانون جاء بعد استماع مكثف لمختلف الأطراف المعنية بما في ذلك نقابتي المحامين والصحفيين ولكن هذه المداولات والاجتماعات لم تسفر عن شيء سوى قانون مشوه لا يحترم حقوق الدفاع ولا يضمن العدالة للمتهمين

يبدو أن هذه الاجتماعات كانت مجرد غطاء للفساد والتواطؤ بين الحكومة والسلطات القضائية لتمرير قانون يُعزز من سلطاتهم على حساب الشعب إن الاستمرار في تجاهل حقوق المحامين وترك السلطات القضائية تعمل دون رقابة حقيقية،

هو دليل آخر على أن الحكومة المصرية تتعمد خلق قوانين تُسهّل لها قمع الأصوات الحرة، وتضعف السلطة القضائية المستقلة، وتُحكم قبضتها على كل مفاصل الدولة.

هذا القانون إهانة للشعب

إن ما يحدث اليوم هو إهانة حقيقية لكل مصري يؤمن بالعدالة وحقوق الإنسان، وما يحاول النظام الحاكم فرضه علينا من خلال هذا القانون الجديد لن يؤدي سوى إلى المزيد من الظلم والقهر إننا نواجه اليوم نظامًا لا يتوانى عن استغلال القانون لتكريس سلطته وقمع معارضيه، دون أدنى اعتبار لمستقبل الشعب أو حقوقه

المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى