في ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية والنزاعات المسلحة وتداعيات تغير المناخ أصبح النظام الغذائي العالمي يواجه تحديات غير مسبوقة تهدد أهداف التنمية المستدامة وخاصة الهدف المتعلق بالقضاء على الجوع بحلول عام 2030 هذا الهدف الذي كان يُنظر إليه كأمل يعكس رغبة المجتمعات في تحقيق الأمن الغذائي لجميع الأفراد يتحول الآن إلى حلما بعيدا لا يلوح في الأفق.
منذ عام 2015 شهد العالم قفزة مرعبة في أعداد الجوعى فقد ارتفعت الأرقام من 564 مليون شخص إلى نحو 735.1 مليون شخص في عام 2022 والسبب وراء هذه الزيادة ليس فقط النزاعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية بل أيضا تداعيات جائحة كوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى تفاقم أزمة الغذاء العالمية والضغط على أسعار السلع الأساسية.
لقد أدى كل ارتفاع في درجة الحرارة بمعدل درجة مئوية واحدة إلى تراجع في المحاصيل الزراعية الأساسية مثل الذرة وفول الصويا والقمح بنسبة تتراوح بين 16٪ و20٪ مما يسلط الضوء على العلاقة المباشرة بين التغير المناخي وزيادة معدلات الجوع.
تعريف الجوع كما حددته الأمم المتحدة يشمل فترات يعاني خلالها الأفراد من عدم تناول الطعام لمدة أيام متواصلة ويعود ذلك بشكل أساسي إلى نقص المال أو صعوبة الوصول للغذاء.
وعلاوة على ذلك يعكس مفهوم الجوع الخفي الذي أوردته منظمة الصحة العالمية سوء التغذية الذي يعاني منه الكثير رغم حصولهم على كميات من الطعام.
تشير إحصائيات المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية إلى أن حوالي 3 مليارات شخص حول العالم لا يستطيعون تحمل تكاليف الغذاء الصحي مما يزيد من حدة الأزمة الغذائية.
تشير الإحصائيات إلى أن منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تحتوي على حوالي 875 مليون شخص غير قادرين على الوصول إلى الغذاء الصحي بينما تبرز جنوب آسيا كمنطقة تضم نحو 1283 مليون شخص يعانون من نفس المشكلة.
في وقت تتوقع فيه منظمة الأغذية والزراعة والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية أن تبقى أكثر من ثلث سكان العالم غير قادرين على تحمل تكلفة اتباع نظام غذائي صحي حتى عام 2030. وهذا يعد بمثابة تحذير صارخ لكل من يهمه الأمر بضرورة إعادة النظر في السياسات الغذائية العالمية.
بينما ارتفع الإنتاج الغذائي العالمي بشكل كبير خلال الستين عاماً الماضية بفضل تطبيق تكنولوجيا الثورة الخضراء على المحاصيل الرئيسية إلا أن هذه الزيادة السريعة قد ترافقت مع تدهور حالة الأراضي الزراعية بسبب الضغط المتزايد لمواجهة الطلب المتنامي على الغذاء.
وقد أدت الأبحاث الزراعية العالمية إلى تطوير أصناف جديدة عالية الإنتاجية ولكن ذلك لم يكن كافياً لتفادي أزمة غذائية شاملة.
تشير الأرقام إلى أن زيادة الرقعة الزراعية لم تتناسب مع معدلات نمو الإنتاج مما ينذر بمخاطر كبيرة قد تؤدي إلى تدهور التربة الزراعية وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
عندما نتحدث عن تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء على الجوع بحلول عام 2030 فإن التحديات تبدو شائكة ومعقدة.
فالأمن الغذائي يتأثر بشدة بالصراعات في الدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط. إن تفاقم النزاعات السياسية والتغيرات المناخية قد أضافت مزيدًا من الأعباء على جهود القضاء على الجوع مما يجعل هذا الهدف يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن.
وقد أكدت التقارير أن الصدمات الاقتصادية العالمية بما في ذلك تلك الناتجة عن جائحة كوفيد 19 وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية قد زادت من انعدام الأمن الغذائي مما أثر سلبا على 735.1 مليون شخص في عام 2022 مقارنة بعام 2015.
ويأتي التحليل ليؤكد أن حتى مع حدوث انتعاش اقتصادي عالمي دون أي اضطرابات جديدة فإن تحقيق الهدف المنشود سيكون بعيد المنال وفقًا لتوقعات كل من منظمة الأغذية والزراعة والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية. هذا يعني أن الحلول المقترحة لمواجهة أزمة الجوع لا تزال بعيدة المنال ولا تتماشى مع الطموحات الدولية.
تظهر الأجندة العالمية المقترحة من قبل الأمم المتحدة لتقليل أزمة الجوع أن هناك حاجة ماسة للتنفيذ الفعال لهذه البرامج للوصول إلى معدلات منخفضة من الجوع العالمي بحلول عام 2030.
وتؤكد هذه الأجندة على أهمية تحقيق الأمن الغذائي وتقليل انبعاثات الغازات الضارة بالبيئة كجزء من الحلول اللازمة لمواجهة هذه الأزمات الغذائية.
ومع ذلك فإن الطريق لتحقيق ذلك يتطلب جهودًا جماعية من الدول والمجتمعات الدولية لضمان توفير الغذاء للجميع في عالم يعاني من الفقر وعدم المساواة.
ويبقى السؤال مطروحا هل سنكون قادرين على تحقيق هدف القضاء على الجوع بحلول عام 2030 في ظل هذه التحديات الضخمة التي تواجهنا في وقت تزداد فيه حدة الأزمات الغذائية كل يوم إن الأمل في مستقبل خالٍ من الجوع يتطلب منا اتخاذ خطوات جريئة وشجاعة للتغلب على هذه العقبات وتحقيق العدالة الغذائية للجميع.