مجلس النواب المصري يشرع قيد الحريات: مشروع قانون الإجراءات الجنائية ينذر بكارثة
في سابقة تعد الأخطر في تاريخ التشريعات المصرية عرض مجلس النواب مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد والذي بات بمثابة صدمة للجميع حيث يتضمن موادًا تهدد الحريات العامة وتقيد حقوق المواطنين وتظهر تقاعس الحكومة المصرية عن القيام بواجباتها الأساسية تجاه حقوق الإنسان في البلاد
لقد تم رفع الجلسة العامة للمجلس أمس برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي لتنعقد مرة أخرى اليوم في تمام الساعة الحادية عشرة صباحا لاستكمال مناقشة مشروع القانون بعد أن استمع المجلس إلى كلمات وزراء العدل والخارجية والشؤون القانونية ونقيب المحامين وممثلي الجهات القضائية
بدأت مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد من حيث المبدأ في جلسة الأمس حيث تم عرض تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة حقوق الإنسان والذي يتضمن 540 مادة مقسمة على ستة كتب وكل كتاب مقسم إلى أبواب وفصول ورغم أن هناك من يعتبره خطوة للأمام إلا أن الأغلبية ترى فيه نذرًا لتقويض الحقوق
في بداية المناقشة صرح المستشار الدكتور حنفي جبالي أن مشروع القانون شهد تفاعلا واسعا تنوعت حوله الآراء بين مؤيد ومعارض حيث يثني البعض على ما يحتويه من ضمانات لحقوق الأفراد بينما يعبر آخرون عن مخاوفهم من أن يحمل القانون في طياته عواقب وخيمة على الحريات العامة
أبدى رئيس مجلس النواب ترحيبه بالملاحظات والأفكار التي طُرحت من قبل المواطنين والجهات المعنية مشددا على أهمية دراسة تلك الملاحظات لضمان عدم الانحراف عن أحكام الدستور وفي الوقت ذاته لم يظهر أي مؤشر على أن هذه الملاحظات ستؤخذ على محمل الجد
في سياق متصل تناول التقرير الصادر عن اللجنة المشتركة برئاسة المستشار إبراهيم الهنيدي أن التعديلات التي أجريت على القانون جاءت متوافقة مع الدستور لكن هذه المزاعم تبدو مريبة في ضوء الفشل المستمر للحكومة المصرية في تعزيز حقوق الإنسان وفي ظل انتقادات منظمة حقوق الإنسان الدولية
أكد المستشار الهنيدي أن مشروع القانون الجديد يعالج أهم الملاحظات الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان لكن ما يغفل عنه الهنيدي هو حقيقة أن هذه التعديلات لم تؤد إلا إلى مزيد من القيود على الحريات فقد أدرجت القوانين الجديدة بنودًا قد تكرس لزيادة فترة الحبس الاحتياطي وتوسيع صلاحيات السلطات
الجدير بالذكر أن اللجنة المشتركة اعتبرت أن مشروع القانون يمثل ثورة تشريعية في العدالة الجنائية وهو تصريح يتعارض مع واقع القمع والاعتقال الذي يتعرض له المواطنون بشكل يومي في مصر فقد جاء هذا القانون ليؤكد مجددًا أن الحكومة لا تعطي أولوية لحقوق الأفراد بل تسعى لتضييق الخناق عليهم
من المثير للاهتمام أن اللجنة أثنت على قانون الحبس الاحتياطي حيث جرى تقليص مدته لكن هذا التقليص يأتي بعد سنوات من الانتهاكات المستمرة مما يجعل أي حديث عن الضمانات غير ذي جدوى فقد أصبح الحبس الاحتياطي بمثابة سلاح بيد الحكومة لاستخدامه ضد المعارضين
أما المستشار محمود فوزي وزير الشؤون النيابية والتواصل السياسي فقد أكد خلال مناقشة مشروع القانون أنه يتماشى مع تطورات حقوق الإنسان ولكنه أغفل عن عمد الإشارة إلى أن كثيرًا من القوانين التي أُصدرت خلال السنوات الماضية كانت أيضًا تحمل نفس الشعارات لكنها في الواقع أدت إلى تدهور الحالة الحقوقية في البلاد
كما شنت اللجنة هجومًا عنيفًا على نقابة الصحفيين ونادي القضاة وكبار رجال القانون حيث اتهمتهم بتشويه الصورة الحقيقية للقانون وأصدرت تهديدات صريحة ضد المعارضين لما اعتبرته شائعات مغرضة وبهذه الطريقة تلقي اللجنة باللوم على الجميع عدا نفسها
عندما أصدرت اللجنة البرلمانية قرارها بتمرير مشروع القانون كان الرد على اعتراضات نقابة الصحفيين مثيرًا للدهشة حيث كان عبارة عن استهتار بالملاحظات والاعتراضات المعتبرة التي قدمتها النقابة والتي تعكس قلقًا حقيقيًا حول مصير حرية التعبير في البلاد
أما بالنسبة لمعتز الأنصاري الخبير القانوني فقد أشار إلى أن الأمر لا يتعلق بمشروع القانون بل بتطبيقه على الأرض فهل نحن نعيش في دولة تطبق القانون بشكل فعلي أم نعيش في زمن تهيمن فيه الاعتبارات السياسية على الحقوق الأساسية
المشروع المطروح لا يحمل أي جديد إلا في إطار صياغة القوانين حيث تم اقتطاع بعض الحقوق الأساسية وهذا يدعونا للتساؤل هل يمكن اعتبار هذا القانون خطوة نحو الأمام أم أنه قيد جديد يضاف إلى سلسلة القيود المفروضة على الشعب المصري
عند النظر إلى كل هذه العوامل يتضح أن الحكومة المصرية تسعى إلى تقديم صورة مغايرة عن الواقع تروج فيها للإصلاحات بينما الواقع يصرخ بعكس ذلك فالشعب المصري لا يزال محاصرًا بالقوانين التي تقيد حريته وتعزف على أوتار حقوقه الطبيعية
ويبقى السؤال قائمًا هل سيستمر الشعب المصري في الصمود أمام هذه الممارسات أم أن الحكومة ستنجح في ترسيخ حكمها القائم على الانتهاكات تحت غطاء قوانين تعد إصلاحية بينما هي في الحقيقة تُقيد الحريات وتُضعف القيم الإنسانية
إن ما يحدث اليوم يتطلب من الجميع وقفة جادة لتفحص ملامح هذا القانون ومآلاته المستقبلية فهل نحن أمام طريق يؤدي إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان أم أنه نذير شؤم يتجلى في تفشي قمع الحريات والحقوق في مصر