تقاريرذاكرة التاريخ

107 سنوات من وعد بلفور: مأساة فلسطينية مستمرة وصمود لا ينكسر

تحل الذكرى السابعة بعد المئة لوعد بلفور المشؤوم في الثاني من نوفمبر من كل عام حاملة معها آلامًا وفواجع لا تزال تُثقل كاهل الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي متواصل يسعى لتهجير أصحاب الأرض وإبادتهم وطي صفحة القضية الفلسطينية للأبد تحت مظلة مخططات الاحتلال الرامية لإقامة إسرائيل الكبرى

لقد كان وعد بلفور نقطة انطلاق لمأساة مستمرة لم تنجح السنوات ولا الجهود الدولية في إنهائها بل زادت من وطأة المعاناة وضاعفت آلام الشعب الذي يصر على التمسك بحقوقه وأرضه

إن وعد بلفور هو في جوهره سبب رئيسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يسير حاليًا نحو أعتى مراحله على الإطلاق فقد شهدنا في الآونة الأخيرة تصاعدًا مقلقًا في وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية والتي بلغت ذروتها بعد أحداث طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي

حيث استغل الاحتلال الوضع لتصعيد حملاته العسكرية على قطاع غزة محاولًا إنهاء القضية الفلسطينية بشكل كامل من خلال الدمار والقتل والتهجير

وعد بلفور: جذر المأساة الفلسطينية

في الثاني من نوفمبر عام 1917 أرسل وزير خارجية المملكة المتحدة آرثر بلفور رسالة إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد أحد أبرز الشخصيات اليهودية في بريطانيا ليعلن فيها عن دعم الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين كان ذلك الوعد هو تعبير علني عن التأييد السياسي للحركة الصهيونية والتي كانت تسعى منذ أمد بعيد لإقامة دولة يهودية على الأراضي الفلسطينية كان نص الرسالة يحمل في طياته وعودًا مزيفة وآمالًا كاذبة لشعب ينشد الحرية والكرامة بينما كان في الحقيقة بداية لنزيف طويل من الدماء والمعاناة

تأمل الرسالة المذكورة بعناية فقد جاء فيها تصريح الحكومة البريطانية بالاهتمام بمصالح اليهود دون الإشارة إلى حقوق الشعب الفلسطيني الذي كان يشكل الأغلبية في ذلك الوقت الأمر الذي ينم عن تجاهل تام للواقع التاريخي والجغرافي بل إن النص نفسه لم يحدد حدود فلسطين أو يذكر حقوق السكان الأصليين بل كان يهدف في الأساس إلى طمأنة المجتمع اليهودي العالمي وإعطائهم حوافز للاستقرار في فلسطين

آثار الوعد: من الكلمات إلى الكوارث

لقد كانت آثار وعد بلفور بعيدة المدى فقد أدت تلك الكلمات إلى زيادة الدعم الشعبي للصهيونية في المجتمعات اليهودية في شتى أنحاء العالم ونتج عنها تشكيل الانتداب البريطاني على فلسطين الذي مهد لقيام دولة إسرائيل في عام 1948 وعلى الرغم من محاولات البريطانيين تبرير موقفهم إلا أن الواقع كان ينذر بكوارث إنسانية واجتماعية قد يعجز التاريخ عن توثيقها

ومع مرور السنوات كانت الآلام تزداد كلما تلاشت الأمل في تحقيق السلام فقد ظلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتبنى سياسات عنصرية وممارسات عسكرية تهدف إلى تهميش الفلسطينيين ومحاولة اقتلاعهم من جذورهم بل واحتلال أراضيهم كما حدث في النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967 وقد كان ذلك كله في إطار مشروع يهدف إلى استكمال بناء الكيان الصهيوني على حساب حقوق الفلسطينيين واستمرارهم في العيش تحت وطأة الاحتلال

المأساة الحالية: الغزو والتهجير

في السنوات الأخيرة انتقل الصراع إلى مراحل أكثر حدةً وفتكًا إذ تواصل آلة الحرب الإسرائيلية قصفها للمناطق السكنية والبنية التحتية في غزة ما أدى إلى استشهاد آلاف الفلسطينيين وجرح عشرات الآلاف وتهجير مئات الآلاف من منازلهم في تصعيد غير مسبوق للأحداث الحاصلة في المنطقة حيث أضحى المواطن الفلسطيني عرضة لأبشع أنواع العدوان والتهجير تحت غطاء دعاية إعلامية موجهة تصوّر الضحايا كإرهابيين وتمدح الاحتلال كمدافع عن الأمن والسلام

إن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بممارسات القتل والتدمير بل امتد به الطغيان إلى قضايا الحياة اليومية حيث يسعى الاحتلال لتقويض أي مظاهر للوجود الفلسطيني من خلال تجريف الأراضي وفرض القيود على الحركة وحرمان الناس من أبسط مقومات الحياة مثل الغذاء والماء والكهرباء مما جعل الحياة في غزة أشبه بالجحيم

المجتمع الدولي: شريك في الجريمة

تتوالى الدعوات من كل حدب وصوب لضرورة تحقيق السلام في المنطقة وإنهاء الاحتلال إلا أن المجتمع الدولي يبدو كأنه يتجاهل ما يحدث من جرائم في حق الشعب الفلسطيني بل أحيانًا يبدو كأنه شريك في هذه الجرائم من خلال صمته المطبق عن المجازر التي تُرتكب يوميًا فالأدلة تتكدس على مر السنوات وتبرز فظائع حقيقية لا يمكن إنكارها ورغم ذلك لا يزال الضمير العالمي غائبًا عن مشهد الكارثة الإنسانية المستمرة

تتباين ردود الفعل الدولية تجاه الأحداث حيث تظهر بعض الدول تأييدًا أو دعمًا للاحتلال بينما يبقى العديد من الدول الأخرى في حالة من الحياد الذي لا يخدم إلا مصالح القوى الكبرى في المنطقة تلك القوى التي تستمر في استغلال الأوضاع لتحقيق مصالحها على حساب دماء الأبرياء

ما بعد بلفور: إرادة الشعب الفلسطيني

ورغم كل هذه التحديات والعقبات لا يزال الشعب الفلسطيني يقاوم بصمودٍ أسطوري على أرضه لا يزال صامدًا أمام المخططات الصهيونية الرامية إلى اقتلاعه من جذوره لقد أثبت الفلسطينيون على مر السنين أنهم أكثر من مجرد ضحايا بل هم أبطال يقاومون الظلم ويصرخون في وجه الظلم حتى تُسمع أصواتهم في كل أرجاء المعمورة إنهم يواجهون الاحتلال بكل بسالة وإرادة حقيقية تمثل الأمل في التحرر والانعتاق من قيود الظلم

لقد أثبت الشعب الفلسطيني على مر العقود أنه لن يستسلم أو يتراجع بل سيبقى متمسكًا بحقوقه وعزته حتى لو كلفه ذلك غاليًا فالتاريخ يكتب صفحات جديدة كل يوم تشهد على بطولاته ومعاناته وجبروت صموده وأحلامه في الحرية التي لا تنطفئ مهما طالت ليالي الاحتلال الحالكة

وتظل ذكرى وعد بلفور في كل عام تذكيرًا بالألم والمأساة التي عاناها وما زال يعانيها الشعب الفلسطيني على مدار أكثر من قرن من الزمن وعلى الرغم من المآسي والمجازر التي تعرض لها الفلسطينيون إلا أن حلم العودة وحرية الأرض لا يزال حيًا في قلوبهم وعقولهم ولن تنجح محاولات الاحتلال في محو هذا الحلم من الذاكرة الجمعية للفلسطينيين الذين سيبقون يسيرون على درب الشهداء ويواصلون نضالهم حتى يتحقق الحلم الكبير في الحرية والانعتاق من الاحتلال والعودة إلى الوطن

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى