في ظلال أزمة حادة تضرب صناعة السكر في مصر أعلنت شركة السكر والصناعات التكاملية متمثلة في مصانع السكر بأبوقرقاص بمحافظة المنيا عن بدء تشغيل مصانعها لموسم عصير القصب ومع قرب استقبال المحصول من مزارعي المنيا وبني سويف وأسيوط في منتصف ديسمبر المقبل حتى أبريل 2025 تتجلى صورة الحكومة المتقاعسة عن توفير بيئة ملائمة للإنتاج ودعم المزارعين
وقد كشفت الشركة عن سعر توريد القصب لهذا الموسم والذي يصل إلى 2500 جنيه للطن كما تعهدت بتحمل تكاليف نقل المحصول بالإضافة إلى منح حوافز تصل إلى 100 جنيه لكل طن ولكن مع ذلك يبقى السؤال الكبير هل ستنجح هذه الخطوات في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الصناعة المتأزمة
من المثير للدهشة أن هذا الإعلان يأتي بعد الأزمة المروعة التي شهدها مصنع سكر أبو قرقاص العام الماضي حيث توقف خط الإنتاج لأول مرة في تاريخ المصنع الذي يعود إنشاؤه إلى عام 1869 ليكون عمره 156 عامًا وهو ما يبرز الفشل الحكومي في إدارة هذا المورد الحيوي
فبدلاً من دعم المزارعين وتحفيزهم لتوريد المحاصيل استسلمت الحكومة لواقع السوق واحتياجات التجار مما جعل المزارعين يفضلون توريد محاصيلهم لعصارات العسل ومحلات العصير بأسعار تفوق ما تقدمه المصانع بنسبة كبيرة الأمر الذي دفع شركة مصانع سكر أبو قرقاص الجديدة إلى توريد محصول القصب المتعاقد عليه إلى مصانع سكر جرجا بمحافظة سوهاج وذلك بسبب انخفاض الكمية المتعاقد عليها والتي لم تتجاوز 6000 طن وهي كمية لا تكفي لتشغيل المصنع لأكثر من يومين
تشير المعلومات إلى أن وزارة التموين والتجارة الداخلية قد استلمت حوالي 7 ملايين طن من قصب السكر من المزارعين خلال موسم 2024 والذي أنتج نحو 680 ألف طن من السكر تم توجيهها بالكامل لصالح البطاقات التموينية ولكن هذه الأرقام لا تعكس سوى جزء صغير من الكارثة الحقيقية التي تعاني منها صناعة السكر فخبراء القطاع يؤكدون أن زيادة حصة المصانع المنتجة للسكر من القصب يُعتبر عاملاً رئيسيًا لرفع الإنتاج بما يغطي احتياجات السوق المحلي حيث تم توريد حوالي 198 ألف فدان من القصب فقط بينما يجب أن تتجاوز الكمية 350 ألف فدان
في هذا السياق يوضح مصطفي عبد الجواد رئيس مجلس المحاصيل السكرية أن رفع أسعار التوريد يأتي كجزء من استراتيجية زيادة المساحات المزروعة مما يؤثر بشكل كبير على حجم الإنتاج بينما سجل إنتاج السكر خلال العام الجاري نحو 2.2 مليون طن في حين يصل حجم الاستهلاك إلى 3.2 مليون طن وبالرغم من ذلك انخفض حجم الإنتاج خلال عام 2024 إلى 2.2 مليون طن في حين كان يصل سنويًا إلى حوالي 2.6 مليون طن بسبب تراجع المزارعين عن زراعة البنجر والعزوف عن زراعة القصب بسبب تحولهم لزراعة محاصيل أكثر ربحية
وعلى صعيد زراعة القصب يقدر أن المساحات المزروعة تصل إلى 310 آلاف فدان بينما المستهدف الوصول بها إلى 350 ألف فدان أما زراعة البنجر فتصل إلى 600 ألف فدان في حين تستهدف الحكومة زيادة المساحات إلى 700 ألف فدان وبناءً على هذه الأرقام يتضح أن حجم القصب الذي تم توريده لمصانع السكر بلغ نحو 198 ألف فدان من يناير إلى أبريل وهو موسم التصنيع بينما يباع باقي إنتاج قصب السكر لمحلات عصير القصب ومصانع العسل الأسود مما يؤثر سلبًا على إنتاج السكر في مصر
من جانبه أكد حسين أبو صدام نقيب الفلاحين أن وضع سعر ضمان لقصب السكر قبل حصاد المحصول يشجع المزارعين على توريد أكبر كمية للمصانع ويحد من ظاهرة بيع المحصول لمحلات العصير ومصانع العسل كما يساهم هذا السعر المرضي في التوسع في زراعة بنجر السكر مما يعجل من الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من السكر إلا أن الحكومة حتى الآن لم تأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار حيث أن رفع الأسعار هذا العام يتزامن مع ارتفاع تكلفة الزراعة التي تتراوح بين 40 ألف إلى 50 ألف جنيه للفدان وقد تتجاوز تكلفة زراعة الفدان في القصب هذا الرقم بسبب استمرار دورة زراعته التي تمتد لنحو 5 سنوات
تتجه الأنظار الآن إلى مستقبل صناعة السكر في مصر والذي يتعرض لمخاطر جسيمة نتيجة الفشل الحكومي في وضع استراتيجيات فعالة لدعم المزارعين وتحفيزهم على زيادة الإنتاج الأمر الذي يثير مخاوف من تفاقم أزمة السكر وارتفاع أسعاره مرة أخرى وقد توقع نقيب الفلاحين أن تشهد الأيام القادمة الاكتفاء الذاتي من السكر وأن تتلاشى أزمة ارتفاع أسعاره نتيجة سعي الحكومة الدائم لتقنين الزراعات التعاقدية وتخفيف الأعباء عن المواطنين وعدم استنزاف السيولة الدولارية في استيراد المنتجات الغذائية التي يمكن توفيرها محليًا ولكن يبقى السؤال الأهم هل ستنجح الحكومة في تحقيق هذه الأهداف أم ستبقى الأزمات مستمرة في ظل هذا الفساد والتقاعس الذي يعصف بالصناعة المصرية
إن ما يحدث في صناعة السكر هو تجسيد للفساد الإداري الذي يسيطر على الحكومة المصرية والتي لا تهتم بمصالح المزارعين ولا تعمل على تحسين أوضاعهم بل تسعى فقط لتلبية مصالح القلة من التجار وأصحاب المصالح الخاصة مما يزيد من تعقيد الأوضاع ويجعل الفلاح المصري في وضع لا يحسد عليه إذ إن الفلاحين هم من يعانون من غياب الدعم الحقيقي والحماية في مواجهة قسوة السوق وقد آن الأوان لفتح ملف الفساد الحكومي والبحث عن حلول حقيقية تعيد الأمل إلى صناعة السكر وتضمن تحقيق الاكتفاء الذاتي للأجيال القادمة