تقاريرحقوق وحريات

القهر في سجون مصر: تقرير يكشف الفساد واللامبالاة الحكومية بتجاهل حياة المحتجزين

في تقرير شديد اللهجة يكشف عن الوجه القاسي والمظلم لنظام الاحتجاز في مصر، رصد مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب ما يصل إلى 251 انتهاكًا مروعًا خلال شهر أكتوبر الماضي وحده.

هذه الأرقام الصادمة تعكس مدى التجاهل المستمر من قبل الحكومة المصرية للأرواح التي تحتجزها دون محاكمة عادلة أو حتى معاملة إنسانية.

وبين هذه الانتهاكات الموثقة 4 حالات وفاة مروعة داخل السجون ومقار الاحتجاز، مما يسلط الضوء على التدهور الكارثي في أوضاع حقوق الإنسان داخل هذه المؤسسات التي تُدار بعقلية انتقامية وقمعية، بعيدًا عن أي اعتبارات للكرامة أو حقوق الإنسان.

إحصائيات تكشف عن قسوة السجون وأروقة القهر

تقرير “أرشيف القهر” الصادر عن مركز النديم ليس مجرد إحصاء للأرقام، بل هو شهادة مؤلمة على معاناة لا يمكن وصفها إلا بأنها جريمة منظمة بحق المحتجزين.

فقد سجل التقرير 5 حالات تعذيب وحشي في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة، إلى جانب 15 حالة تكدير للفرد، و4 حالات تعذيب وتكدير جماعي، وهي ممارسات تهدف إلى كسر أرواح المحتجزين وإخضاعهم لنظام قمعي يُنكر عليهم أبسط حقوقهم الإنسانية.

كما سجل التقرير 4 حالات “تدوير” متهمين على ذمة قضايا جديدة، في تكتيك مكشوف لاستمرار حبسهم دون محاكمة عادلة، وهو انتهاك صارخ للقوانين والأعراف الدولية التي تضمن حقوق المتهمين. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل رصد التقرير 17 حالة إهمال طبي متعمد، ترك فيها المحتجزون ليصارعوا أمراضهم وسط ظروف صحية متدهورة دون أدنى رعاية، وهو ما أدى إلى وفاة عدد منهم نتيجة لهذا الإهمال الجسيم.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد المأساوي. فقد وثق التقرير 40 حالة إخفاء قسري، حيث يتم اختطاف الأفراد وإخفاؤهم عن ذويهم وعن العالم الخارجي لفترات متفاوتة. في بعض الحالات، يعود المختفون بعد أن يكونوا قد تعرضوا لأبشع أشكال التعذيب الجسدي والنفسي. وفي المقابل، ظهر 119 مختفياً قسرًا بعد مدد مختلفة من الإخفاء القسري، وهي ظاهرة تعكس مدى الوحشية التي تدار بها هذه الأجهزة القمعية.

العنف الممنهج من الدولة وأرواح تزهق بلا حساب

التقرير يكشف عن 43 حالة عنف تمارسها الدولة ضد المحتجزين، وهي ممارسات تؤكد على أن العنف ليس استثناءً بل هو جزء لا يتجزأ من السياسة الأمنية المتبعة داخل السجون ومقار الاحتجاز. وقد دفعت هذه السياسات الأرواح ثمنًا باهظًا. من بين 4 حالات وفاة وثقها التقرير، كانت الحالة الأولى لطارق أبو العز، رائد سابق في القوات المسلحة، الذي قُتل تحت التعذيب الوحشي الذي تعرض له في سجن الوادي الجديد. هذا الضابط السابق، الذي خدم بلاده، تعرض للتعذيب حتى الموت في عملية استمرت لأكثر من أسبوعين، دون أي تدخل لإنقاذه.

الحالة الثانية كانت لرمضان يوسف عشري، الذي توفي بعد معاناة استمرت منذ عام 2017 في عدة سجون، مما يعكس سنوات من الإهمال واللامبالاة تجاه حياته. هذه الوفاة لم تكن مجرد حادث عرضي، بل نتيجة مباشرة للإهمال المتعمد من قبل السلطات.

أما الحالة الثالثة، فهي لمجدي محمود، مدرس فقد حياته في سجن المنيا نتيجة للإهمال الطبي المتعمد، حيث ترك دون علاج مناسب لحالته الصحية حتى فارق الحياة، ليضاف اسمه إلى قائمة الضحايا الذين يسقطون يوميًا بسبب إهمال متعمد وظروف احتجاز كارثية.

الحالة الأخيرة، التي تضمنها التقرير، هي لأحمد يونس، الذي توفي فور خروجه من بوابات فرع الأمن الوطني بمحافظة الإسكندرية. وفاته كانت نتيجة مباشرة لما تعرض له من تعذيب وانتهاكات أثناء احتجازه في مقار الأمن الوطني.

أشكال التكدير والانتهاكات الجماعية

التقرير يسلط الضوء أيضًا على أنماط أخرى من الانتهاكات الممنهجة التي تُمارس ضد المحتجزين في السجون ومقار الاحتجاز، بما في ذلك الحرمان من الطعام المناسب (التعيين)، وقطع المياه عن الزنازين لأيام، ومنع الزيارات العائلية لسنوات. بالإضافة إلى تقليص مدة الزيارات ومحتوياتها من طعام واحتياجات أساسية إلى الحد الأدنى، مما يفاقم من معاناة المحتجزين وعائلاتهم.

ليس هذا فقط، بل تمنع إدارات السجون دخول العلاج والملابس، ويتم تجريد الزنازين من أي مستلزمات أساسية للحياة. وبالإضافة إلى ذلك، يتم إجبار المحتجزين على حلق رؤوسهم عنوة، ويتعرضون للضرب الجماعي، ويحرمون من التريض أو الخروج من الزنازين لأيام أو أسابيع متتالية، كما يتم حشر أعداد كبيرة من السجناء في زنازين مكدسة لا تصلح حتى للحيوانات.

تقاعس الحكومة وفساد مستشري

من المؤسف أن هذه الانتهاكات ليست مجرد تجاوزات فردية أو استثناءات، بل تعكس سياسة قمعية ممنهجة تتبناها السلطات المصرية. في ظل غياب أي رقابة فعلية أو محاسبة قانونية للمتورطين في هذه الجرائم، تواصل الحكومة المصرية تجاهلها المتعمد لهذه الانتهاكات الصارخة، مما يضع البلاد في موقف حرج أمام المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية العالمية.

الإهمال الطبي المتعمد، التعذيب المستمر، الإخفاء القسري، العنف المفرط والتكدير الجماعي كلها أدلة دامغة على أن النظام المصري لا يعير حياة مواطنيه أي اهتمام. الحكومة، بتقاعسها عن وقف هذه الجرائم، بل وبتواطئها الواضح، مسؤولة مباشرة عن كل روح تُزهق داخل السجون، وكل صرخة ألم تتردد بين جدران تلك الزنازين المظلمة.

هل من نهاية لهذا القهر؟

يستمر الوضع داخل السجون المصرية بالتدهور بشكل سريع وخطير، دون أي بادرة أمل في تدخل حكومي جاد لوضع حد لهذه الانتهاكات. ورغم تزايد التقارير الحقوقية التي توثق هذه الممارسات الفظيعة، إلا أن النظام الحاكم يواصل تجاهله وكأن هذه الأرواح لا تهمه في شيء.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى