تقارير

مصر في المرتبة 110 عالميًا و10 عربيًا في مؤشر المرأة

في ظل الإدعاءات المتكررة للحكومة المصرية بتحسين أوضاع المرأة وتعزيز حقوقها، تأتي الحقائق لتكشف عن واقع مأساوي ومثير للقلق.

مصر، التي تعتبر واحدة من أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان والموارد، تجد نفسها في المرتبة 110 عالميًا من بين 177 دولة

وفقًا لمؤشر المرأة والسلام والأمن لعام 2024 الصادر عن معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن بالتعاون مع معهد أبحاث السلام في أوسلو.

وعلى الرغم من موقعها الجغرافي المتميز وادعاءاتها المستمرة بأنها تسعى لتعزيز مكانة المرأة، فإن هذا التصنيف يفضح التناقض بين ما تروّج له الحكومة وبين الواقع المرير.

هذا التقرير الصادم يضع مصر في المرتبة العاشرة عربيًا، بينما تتصدر الإمارات العربية المتحدة القائمة العربية بدرجة تصل إلى (0.868)، تليها البحرين والكويت، في حين تجر الدول التي تعاني من صراعات مثل الصومال وسوريا واليمن ذيل القائمة بنتائج متدنية بشكل كارثي.

أما مصر، فعلى الرغم من أنها لا تواجه نفس الظروف الأمنية المدمرة كالدول المتأخرة في التصنيف، فإنها لم تتمكن من تحقيق أي قفزات ملحوظة، ما يكشف عن تقاعس حكومي صارخ وعنصرية مؤسسية مستمرة تجاه قضايا المرأة.

فشل في الإدماج والعدالة والأمن: حكومة تتحدث والشعب يعاني

من أبرز نقاط الضعف التي كشفها هذا التقرير هو الأداء الكارثي لمصر في الأبعاد الثلاثة الرئيسية التي يعتمد عليها المؤشر: الإدماج والعدالة والأمن.

البعد الأول، الإدماج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، يعكس كيف أن مصر ما زالت تعاني من سياسات تمييزية ممنهجة ضد النساء، حيث تتراجع مشاركة المرأة في سوق العمل بشكل كبير مقارنة بالدول العربية الأخرى.

ورغم الوعود الحكومية المتكررة بتمكين المرأة اقتصاديًا، إلا أن الواقع يظهر العكس. فالتقارير تشير إلى أن نسبة النساء العاملات في مصر تظل من أدنى النسب في العالم العربي، في الوقت الذي تواجه فيه النساء في العديد من القطاعات الاقتصادية تمييزًا واضحًا من حيث الأجور والفرص.

أما العدالة، البعد الثاني الذي يغطي التمييز الرسمي وغير الرسمي ضد النساء، فقد فشلت فيه مصر بشكل ملحوظ. ففي الوقت الذي تدعي فيه الحكومة المصرية أنها تعمل على إصدار تشريعات لحماية حقوق المرأة، إلا أن هذه القوانين غالبًا ما تكون شكلية ولا يتم تطبيقها بفاعلية.

فالتمييز الجنسي في أماكن العمل والتحرش والعنف الجنسي ضد النساء ما زالت قضايا رئيسية لم تعالجها الحكومة بشكل جاد. بل الأكثر خطورة هو أن النظام القانوني في مصر يبدو وكأنه يعزز هذا التمييز بدلًا من أن يكافحه، حيث يتم تجاهل العديد من حالات العنف ضد المرأة أو التقليل من شأنها في المحاكم المصرية.

الأمن: الدولة تغض النظر والعنف يستمر

أما البعد الثالث، الأمن الشخصي والمجتمعي، فهو الكارثة الأكبر. في الوقت الذي من المفترض أن تكون الدولة هي الحامي الأول لحقوق وأمان مواطنيها، تكشف الأرقام أن مصر تعتبر واحدة من أخطر الأماكن للنساء في العالم.

التحرش الجنسي، العنف الأسري، والاعتداءات الجسدية والنفسية على النساء أصبحت ظواهر شائعة، في حين تغض الحكومة الطرف عنها بشكل فاضح.

فالقوانين المتعلقة بحماية النساء من العنف لا يتم تطبيقها بشكل كافٍ، وعادة ما تواجه النساء اللواتي يتقدمن بشكاوى بتهم التشهير أو التهويل.

ويعتبر ذلك تناقضًا صارخًا مع الخطاب الرسمي للحكومة الذي يزعم باستمرار أن مصر حققت تقدمًا ملموسًا في ملف حقوق المرأة.

لكن الأرقام لا تكذب: مصر لا تزال بعيدة كل البعد عن تحقيق مستويات الأمن الشخصي المطلوبة لضمان سلامة النساء في مجتمع يعاني من تمييز جنسي مستمر وعنف غير مبرر.

فساد وتناقضات حكومية: أين الحقيقة؟

الفضيحة الكبرى تكمن في التناقض بين التصريحات الحكومية والواقع. ففي حين تواصل الحكومة المصرية إصدار تصريحات مطمئنة حول وضع المرأة وحقوقها، يظهر التقرير الدولي الحقائق العارية.

لماذا لا يتم اتخاذ إجراءات جادة لتحسين وضع المرأة في مصر؟ لماذا لا توجد سياسات فعلية لتمكين المرأة اقتصاديًا أو لحمايتها من العنف والتمييز؟

الجواب قد يكون مرتبطًا بالفساد المستشري في النظام الحكومي المصري. فالتقارير المحلية والدولية تفضح كيف أن الأموال المخصصة لتحسين أوضاع المرأة تُهدر في مشروعات غير فعالة أو تذهب لجيوب المسؤولين دون تحقيق أي تغيير حقيقي.

وحتى المبادرات التي تعلن عنها الحكومة تبدو كأنها محاولات للترويج الإعلامي أكثر من كونها جهودًا حقيقية لتحسين الأوضاع على الأرض.

من الواضح أن مصر بحاجة إلى تغيير جذري في سياساتها تجاه المرأة، يبدأ بالاعتراف بالمشكلات الحقيقية التي تواجهها النساء بدلاً من التستر عليها أو التهوين من شأنها.

الحكومة المصرية تتحمل المسؤولية المباشرة عن هذا الوضع المزري، حيث يتضح من التصنيف الدولي أن مصر بعيدة جدًا عن تحقيق أي تقدم ملموس في ملف المرأة. فمتى ستتوقف الحكومة عن تجاهل الحقيقة والبدء في اتخاذ إجراءات حقيقية لحماية المرأة المصرية؟

الحاجة إلى إصلاحات جذرية

ما يثير السخط والذهول هو أنه في وقت تتصدر فيه دول مثل الإمارات والكويت مؤشرات حقوق المرأة في العالم العربي، تبقى مصر غارقة في مشكلاتها دون أي أفق واضح للإصلاح.

إننا أمام أزمة حقيقية تتطلب تغييرًا جذريًا في السياسات والممارسات الحكومية. يجب أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لتغيير هذا الوضع، بدلًا من الاستمرار في إطلاق الوعود الجوفاء والتصريحات الرنانة التي لا تنعكس على أرض الواقع.

الأرقام لا تكذب، والتقرير الدولي يمثل صرخة مدوية لضرورة التحرك السريع قبل أن تستمر المرأة المصرية في معاناتها تحت وطأة نظام يثبت يومًا بعد يوم أنه عاجز عن حماية حقوق نصف المجتمع.

إذا لم تتحرك الحكومة الآن، فإن الفجوة ستتسع أكثر وستبقى مصر في ذيل المؤشرات الدولية، ليس فقط في مجال حقوق المرأة، بل في كافة المجالات المتعلقة بالعدالة والمساواة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى