بدأت الحكومة تطبيق زيادات حادة في أسعار الغاز الطبيعي للمنازل والمحال التجارية، تتراوح بين 40 و100 قرش لكل متر مكعب، وفقًا لشريحة الاستهلاك في خطوة مثيرة للجدل وكاشفة عن تهاون الحكومة المصرية تجاه الأوضاع المعيشية للمواطنين.
هذه الزيادة الجديدة، التي وصفها كثيرون بأنها “ضربة جديدة للمواطن البسيط”، تأتي في وقت يشهد فيه المواطنون صعوبة متزايدة في تلبية احتياجاتهم الأساسية وسط ارتفاعات مستمرة في تكاليف الحياة.
منذ بداية شهر أكتوبر الماضي، فوجئ المصريون بتطبيق هذه الزيادات الجائرة التي تُظهر بوضوح مدى تقاعس الحكومة المصرية في حماية المواطن العادي من موجات التضخم وارتفاع الأسعار المتواصلة.
ففي ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، اختارت الحكومة ببساطة أن تثقل كاهل المواطنين بزيادة إضافية على أسعار الغاز، ما يعكس غياب استراتيجية واضحة لدعم الفئات المتوسطة والأقل دخلًا، واكتفاء الحكومة بقرارات تزيد من معاناة الشعب دون أن تقدم أي حلول حقيقية.
زيادات غير مبررة وتلاعب في الأرقام
المثير للسخرية في هذه الزيادات هو الفجوة الكبيرة بين الشريحة الدنيا والشرائح الأعلى، حيث تم رفع سعر الغاز للمستهلكين الذين يستخدمون أقل من 30 مترًا مكعبًا إلى 300 قرش لكل متر مكعب، بدلاً من 260 قرشًا سابقًا، وهي زيادة تقارب 15%.
وفي شريحة الاستهلاك التي تتراوح بين 30 و60 مترًا مكعبًا، قفز السعر إلى 400 قرش لكل متر مكعب بدلاً من 335 قرشًا، بزيادة تقترب من 20%.
أما من يتجاوز استهلاكهم الـ60 مترًا مكعبًا، فسيتحملون 500 قرشًا لكل متر مكعب، بعدما كانت التكلفة 400 قرش فقط، أي بزيادة ضخمة تصل إلى 25%.
لكن الأسوأ من هذه الزيادات المجحفة، هو غياب أي مبررات منطقية أو تفصيلات من قبل الحكومة حول أسباب هذه الزيادات الكبيرة.
فمن الواضح أن الحكومة المصرية تستغل المواطن البسيط لصالح خزانتها، خاصة مع عدم وجود شفافية حول الكيفية التي يتم بها تحديد هذه الأسعار.
فهل هي نتيجة لزيادة تكلفة الإنتاج؟ أم أنها محاولة لزيادة العوائد المالية بأي شكل ممكن؟ الإجابة غائبة، والحكومة كعادتها لا تقدم أي تفسيرات حقيقية.
تحميل المواطن تكاليف توصيل الغاز .. فساد واضح
وإذا لم يكن الأمر كافيًا بزيادة الأسعار، فإن الحكومة لم تكتفِ بذلك، بل حملت المواطن أيضًا تكاليف توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.
وفقًا لوزارة البترول والثروة المعدنية، تبلغ تكلفة توصيل الغاز بالنظام النقدي حوالي 5205 جنيهات، وهي تكلفة تتجاوز قدرات الكثير من الأسر المصرية، وخاصة في المناطق الريفية والفقيرة.
هذا يعني أن على المواطنين ليس فقط تحمل الأعباء اليومية للاستخدام، بل أيضًا دفع مبالغ ضخمة مقابل توصيل الخدمة الأساسية لمنازلهم.
هذه السياسة تعكس فسادًا إداريًا واضحًا، حيث لا توجد أي رقابة حقيقية على تكاليف توصيل الخدمات الأساسية. فالحكومة تقدم هذه الخدمات بأسعار مبالغ فيها رغم أن الكثير من دول العالم توفر هذه الخدمات للمواطنين بأسعار رمزية أو حتى مجانية في بعض الأحيان.
هذا النهج الحكومي لا يمكن تفسيره إلا بأنه محاولة لزيادة الضغط المالي على المواطن، مما يدفعه للانصياع دون اعتراض، تحت تهديد فقدان الخدمات الأساسية.
الأسعار المجحفة لتوليد الكهرباء والمخابز والقمائن
وبينما يئن المواطن تحت وطأة زيادات الغاز المنزلي، لا يزال القطاع الصناعي، وتحديدًا توليد الكهرباء وقطاعات حيوية أخرى مثل المخابز والقمائن، يعاني هو الآخر من ارتفاعات هائلة في الأسعار.
وفقًا للقرار رقم 2375 لسنة 2022، تم تحديد سعر الغاز الطبيعي المخصص لتوليد الكهرباء بـ4.00 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
هذا الارتفاع المباشر في تكلفة الطاقة يتسبب في رفع تكاليف إنتاج الكهرباء، وهو ما سينعكس بدوره على فاتورة الكهرباء للمواطن العادي.
وفي قطاع المخابز، وهو القطاع الذي يعتمد عليه ملايين المصريين للحصول على الخبز المدعوم، وصلت أسعار الغاز الطبيعي إلى 10.14 قرشًا لكل متر مكعب بموجب القرار رقم 2902 لسنة 2021.
هذا يعني أن تكلفة إنتاج رغيف الخبز المدعوم نفسه قد ارتفعت، مما يثير مخاوف من أن تصبح أسعار الخبز أيضًا عرضة للزيادة في المستقبل القريب.
أما بالنسبة للغاز المستخدم في قمائن الطوب، فقد تم تحديد سعره بـ110 جنيهات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وفقًا للقرار رقم 2902 لسنة 2021،
مما يزيد من تكلفة إنتاج الطوب المستخدم في البناء، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على قطاع العقارات، الذي يعاني بالفعل من ارتفاع أسعار المواد الخام.
غياب أي حلول حكومية حقيقية
ما يثير الغضب أن هذه الزيادات تأتي في وقت لا تقدم فيه الحكومة المصرية أي حلول حقيقية للتخفيف من العبء على المواطنين.
فبدلاً من العمل على تحسين الأوضاع المعيشية أو تقديم برامج دعم فعالة للفئات الأقل دخلًا، نجد الحكومة تتجاهل نداءات المواطنين وتشدد الخناق عليهم بشكل أكبر.
فالزيادات في أسعار الغاز تأتي بلا مقابل، بلا أي خطط لدعم الأسر المتضررة، أو حتى محاولة تحسين كفاءة استهلاك الغاز لتخفيف الأثر على المواطنين.
خاتمة: إلى أين يقودنا هذا الفساد؟
إن ما يحدث الآن في مصر هو نتيجة لسياسات اقتصادية فاشلة وفساد حكومي واضح. الحكومة التي كان يفترض بها أن تكون الحامي الأول لمواطنيها أصبحت هي نفسها مصدر المعاناة الأكبر.
الزيادات المستمرة في أسعار الخدمات الأساسية مثل الغاز الطبيعي تعكس بوضوح استغلال الحكومة للمواطنين، وتكشف مدى عجزها عن تقديم أي حلول حقيقية. فما هو القادم؟ وهل يستمر المواطن المصري في دفع ثمن فساد وتقصير حكومته؟