تعيش مصر في أزمة حقيقية تتعلق بالزراعة والمحاصيل الاستراتيجية وخصوصًا محصول القمح الحيوي الذي يشكل أساس غذاء الشعب المصري وتستمر الحكومة المصرية في تجاهل التحذيرات العلمية التي تؤكد على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان جودة الإنتاج وزيادة الإنتاجية لمواجهة الطلب المتزايد في ظل التغيرات المناخية المتسارعة
وفي هذا السياق يحذر الدكتور محمد علي فهيم رئيس مركز معلومات المناخ بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي من زراعة أصناف القمح “جميزة 11” و“سدس 12” و“مصر 1” في الوجه البحري
حيث يتوقع أن يكون الشتاء هذا العام بارداً ورطباً مما يعني وجود حمل جرثومي عالي للصدأ الأمر الذي قد يؤدي إلى كارثة فلاحية تضاف إلى قائمة الأزمات التي يعاني منها الفلاح المصري بسبب الفساد الحكومي والإهمال المتعمد من قبل الجهات المعنية
إن التقاعس الحكومي في مصر ليس مجرد غياب الفعل بل هو انهيار متكامل لمؤسسات الدولة المعنية بالزراعة وتخطيطها فالدكتور علاء خليل مدير معهد بحوث المحاصيل الحقلية أعلن عن الخريطة الصنفية لمحصول القمح لموسم 20254/2024 دون أن تتخذ الحكومة أي خطوات جدية لتفعيلها أو لتوعية المزارعين بالأنواع المناسبة للزراعة في كل محافظة بما يتناسب مع الظروف المناخية والبيئية
هذا التقاعس يكشف عن فساد مستشرٍ في إدارة الموارد الزراعية حيث يتم تجاهل النصائح العلمية والتوجيهات التي يمكن أن تنقذ المحاصيل وتضمن الأمن الغذائي للمواطن المصري
تنص الخريطة الصنفية على الأصناف المثلى للزراعة في الوجه البحري والجيزة حيث تشمل المحافظات: بورسعيد، الإسماعيلية، السويس، دمياط، الدقهلية، الشرقية، الغربية، كفر الشيخ، البحيرة، الإسكندرية، المنوفية، القليوبية، والجيزة وتوصي بزراعة الأصناف: “مصر 3” و“مصر 4” و“جيزة 171” و“سخا 95” و“سخا 96” و“سدس 14” و“سدس 15”
وفي الوقت نفسه هناك تجاهل كامل للأصناف التي حذر منها الخبراء مما يزيد من احتمالية تعرض المحاصيل للأمراض وموت المحاصيل في أوج الإنتاج
أما بالنسبة لمنطقة مصر الوسطى والتي تضم محافظات: الفيوم، بني سويف، والمنيا فإن الوضع لا يقل سوءاً حيث يفضل زراعة الأصناف “مصر 1” و“مصر 3” و“مصر 4” و“جيزة 171” و“سخا 95” و“سخا 96” و“سدس 14” و“سدس 15” و“بني سويف 5” و“بني سويف 7” و“سوهاج 5”
ولكن مع غياب الجهود التوعوية وتقديم الدعم للمزارعين فإن هذه التوصيات تبقى حبيسة الأدراج دون تطبيق مما يزيد من الفجوة بين العلم والممارسة
وفي منطقة مصر العليا التي تشمل محافظات: أسيوط، سوهاج، قنا، الأقصر، أسوان، والوادى الجديد فإن الوضع ينذر بالخطر حيث يتكرر نفس السيناريو وتفضل الخريطة زراعة الأصناف: “مصر 1” و“مصر 3” و“مصر 4” و“جيزة 171” و“سخا 95” و“سخا 96” و“سدس 14” و“سدس 15” و“جميزة 11” و“سدس 12” و“بني سويف 5” و“بني سويف 7” و“سوهاج 5” ولكن بالرغم من ذلك يظل الفلاحون غير مدركين لهذه المعلومات مما يعرضهم للخسائر الفادحة
ويشمل أيضًا القطاع الزراعي للأراضي المستصلحة حديثًا في مناطق: الدلتا الجديدة، مستقبل مصر، شرق العوينات، وتوشكي حيث توصي الخريطة بزراعة أصناف “مصر 1” و“مصر 3” و“مصر 4” و“جيزة 171” و“سخا 95” و“سدس 14” و“سدس 15” و“بني سويف 5” و“بني سويف 7” و“سوهاج 5”
ولكن في غياب تام للإشراف الحكومي والتوجيه السليم فإن المحاصيل الجديدة تواجه خطر الفشل ولا يتم استثمار الموارد المتاحة بفاعلية مما يؤدي إلى هدر هذه الموارد في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة غذاء خانقة
إن هذه التحذيرات العلمية يجب أن تكون جرس إنذار لكل المعنيين في الحكومة المصرية لكن للأسف فإن استمرارية الفساد وانعدام الرؤية الواضحة لإدارة القطاع الزراعي ستؤدي حتمًا إلى مزيد من الكوارث ويجب على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها في تفعيل التوصيات العلمية وتوفير الدعم والمشورة اللازمة للمزارعين بدلاً من تركهم يواجهون مصيرهم في ظل غياب الحماية والدعم المطلوب
إن الأمن الغذائي لمصر في خطر والوقت لم يعد في صالحنا فالفلاح المصري يحتاج إلى دعم حقيقي يتجاوز الشعارات الفارغة فالأصناف التي يوصي بها الخبراء ليست مجرد أرقام
بل هي طوق النجاة الذي يمكن أن ينقذ المحاصيل ويحقق إنتاجية أعلى تساهم في تحقيق الأمن الغذائي وبالتالي فإن الصمت الحكومي لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمات والمزيد من الفشل في مواجهة التحديات الزراعية
إن الوضع يحتاج إلى تحرك عاجل وفعّال من قبل الحكومة والمسؤولين عن الزراعة حتى لا نصل إلى نقطة اللاعودة فالأمن الغذائي ليس مجرد شعار بل هو حق لكل مواطن مصري
وعليه فإن أي تقاعس أو إهمال سيكون له عواقب وخيمة في المستقبل القريب مما يستدعي تحركًا عاجلًا لمواجهة هذه الأزمة والتخطيط الجاد لمستقبل زراعي أفضل لمصر