تعويضات هزيلة لضحايا حوادث العمل تكشف فساد الحكومة المصرية وتقاعسها عن حماية العمالة غير المنتظمة
في خضم الفوضى واللامبالاة التي تعيشها مصر برزت قضية جديدة تكشف النقاب عن فشل الحكومة المصرية في حماية حقوق المواطنين وكرامتهم
حيث أعلنت وزارة العمل عن صرف تعويضات لا تتجاوز المليون و900 ألف جنيه لعدد 18 عاملا من العمالة غير المنتظمة الذين وقعوا ضحية لحوادث عمل مؤلمة في ثلاث محافظات هذه الأرقام الصادمة تدق ناقوس الخطر وتسلط الضوء على عدم كفاءة الحكومة في دعم الفئات الأكثر تهميشا في المجتمع
يتضمن التقرير الحكومي تقديم 200 ألف جنيه كتعويض لكل أسرة من أسر الضحايا الذين فقدوا أرواحهم و20 ألف جنيه لكل مصاب في حوادث العمل هذه الأرقام لا تعكس أي نوع من الجدية أو الرحمة تجاه المعاناة التي عاشها هؤلاء العمال وأسرهم بل تظهر مدى استخفاف الحكومة بأرواح المواطنين وكأنهم مجرد أرقام في تقرير صحفي يمر مرور الكرام
إن حقيقة تعويض أسر الضحايا بمبلغ لا يتجاوز 200 ألف جنيه لن تعيد لهم أحباءهم الذين فقدوا حياتهم في حوادث لا ينبغي أن تحدث في المقام الأول بل تعكس الفشل الذريع للجهات المعنية في تطبيق معايير السلامة والحماية اللازمة في مواقع العمل وتبرز الفساد المستشري الذي يهدد حياة المواطنين بشكل يومي
تمثل هذه الحوادث ظاهرة متزايدة في مصر حيث تتعرض العمالة غير المنتظمة للمخاطر نتيجة الإهمال وعدم وجود ضوابط صارمة تحميهم من الحوادث القاتلة فالتحقيقات أظهرت أن معظم هذه الحوادث كانت نتيجة لعدم الالتزام بمعايير الأمان وظروف العمل المزرية التي يضطر العديد من العمال للقبول بها نظرا لظروفهم المعيشية القاسية
يجب أن نسأل أنفسنا كيف يمكن للحكومة أن تعلن عن هذه التعويضات الهزيلة في وقت يشهد فيه الفساد المالي والإداري تفشيا غير مسبوق بين صفوف المسؤولين في البلاد فهل يعتبر هذا التعويض جزءا من استراتيجية التلاعب بالحقائق وتجميل الصورة أمام الرأي العام في ظل الانتقادات المتزايدة بشأن ضعف الأداء الحكومي
قد يتساءل البعض لماذا لا يتم تخصيص ميزانيات أكبر لدعم العمالة غير المنتظمة وضمان سلامتهم في مواقع العمل بدلاً من توزيع مبالغ بسيطة كتعويضات وهذا يعود إلى غياب الإرادة السياسية الحقيقية للتغيير وإصلاح الوضع القائم فالمسؤولون عن هذه القضية هم أنفسهم الذين ينعمون بالامتيازات ويستمرون في استغلال السلطة دون أي رادع
إحدى القضايا المثيرة للجدل تتعلق بالمسؤولين الذين يديرون ملف العمل في الحكومة حيث تتزايد الأنباء حول تورطهم في قضايا فساد مالي وإداري مما يثير الشكوك حول نزاهتهم وقدرتهم على اتخاذ القرارات الصحيحة لصالح المواطنين
فهل يعقل أن يتسلم هؤلاء المسؤولون رواتب ضخمة في الوقت الذي يتم فيه الإخفاق في تقديم الدعم الكافي للعمالة غير المنتظمة
علاوة على ذلك تثير هذه القضية العديد من الأسئلة حول كيفية صرف الأموال العامة وما إذا كانت هذه التعويضات تصل بالفعل إلى مستحقيها إذ تشير المعلومات إلى أن بعض العائلات قد تجد صعوبة في الحصول على التعويضات في الوقت المناسب مما يزيد من معاناتهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة
من الضروري أن يتحرك المجتمع المدني والصحافة الحرة للضغط على الحكومة من أجل تحسين ظروف العمل وتوفير التعويضات العادلة للعمالة غير المنتظمة ولابد من اتخاذ خطوات جادة لتغيير الوضع الحالي بما يضمن حقوق هؤلاء العمال ومنع تكرار هذه المآسي في المستقبل
يجب على الحكومة المصرية أن تتحمل المسؤولية كاملة عن الفشل في حماية أرواح العمال الذين يعانون في صمت يجب أن يكون هناك محاسبة حقيقية لكل من تسبب في هذه المآسي بدءًا من الوزراء وصولاً إلى المسؤولين في مواقع العمل فالتحقيقات المستقلة هي السبيل الوحيد لكشف الفساد الذي يسيطر على مؤسسات الدولة وضمان العدالة للضحايا وأسرهم
إن الفوضى الحالية لا يمكن أن تستمر فالشعب المصري يستحق حكومة تعكس قيمي العدالة والمساواة لا يمكن للضغوط الدولية وحدها أن تحدث تغييرات حقيقية بل يجب أن تتزايد الأصوات الداخلية المطالبة بالإصلاح والتغيير الحقيقي
يجب أن تكون هذه القضية بمثابة جرس إنذار لكل المصريين فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع للمطالبة بحقوقهم والعمل على تحسين ظروف حياتهم هذا هو الوقت المناسب للتحرك فالشعب الذي يرضى بالظلم لن يتقدم إلى الأمام ومن هنا يجب أن تبدأ التغييرات الحقيقية التي يمكن أن تحدث فارقاً في حياة ملايين المصريين الذين ينتظرون بفارغ الصبر العدالة والتعويض عن ما فقدوه