فساد الحكومة المصرية يكشف الوجه الحقيقي لتدمير تراث أسود قصر النيل
تُعبر نقابة الفنانين التشكيليين عن مخاوفها العميقة من عمليات صيانة تماثيل أسود قصر النيل التي تندرج ضمن خطة محافظة القاهرة ووزارة السياحة والآثار لصيانة 21 تمثالًا في الميادين العامة.
يُعتبر هذا القرار مؤشرًا واضحًا على الفساد المستشري في مؤسسات الدولة حيث يتم التعامل مع إرث فني وتاريخي بهذه الطريقة المريعة.
لقد بدأت أعمال الصيانة بشكل غير احترافي حيث تم استخدام “الرولة” لطلاء تماثيل برونزية، وهو أسلوب يُعد خطأً جسيمًا يتناقض مع القواعد العلمية والفنية المتعارف عليها في هذا المجال.
فبدلًا من الحفاظ على القيمة الفنية لهذه الأعمال، تم طمس (الباتينا) وتغيير اللون الأصلي لخامات البرونز، مما يحرم هذه التماثيل من قيمتها الفنية والتاريخية.
الصيانة الحقيقية لا تُنفذ بالأساليب التقليدية بل تتطلب دقة واحترافية لإزالة الأتربة فقط دون استخدام ورنيشات ومواد تلميع تُفسد جمال العمل الفني.
وفي هذا السياق، صرح نقيب الفنانين التشكيليين بأن تماثيل البرونز لا تحتاج إلى طلاء أسود أو ورنيش، حيث أن هذه التماثيل معروفة بعمرها الطويل، وصيانتها يجب أن تكون مقتصرة على التنظيف فقط.
وأوضح أن أسود قصر النيل يحتاج فقط لإزالة الأتربة الناتجة عن التلوث وعوامل الجو، مشيرًا إلى أن التدخل غير المتخصص هو ما أدى إلى هذه الكارثة الفنية.
يتفاقم الأمر عندما نرى ردود الفعل من الجمهور، حيث سادت حالة من الغضب والسخرية بين المتابعين الذين يعتبرون أن هذه التصرفات تعكس إصرار الدولة على محو تاريخها الثقافي.
يشعر المغردون بأن تشويه تماثيل أسود قصر النيل بهذه الطريقة المتعمدة يُظهر الفشل الإداري التام في وزارة الثقافة والجهات المعنية، التي يبدو أنها تروج للفن الهابط والمسخ في المجتمع.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استذكر النقاد والتعليقات السلبية التي طالت تماثيل أخرى في الميادين العامة، حيث ظهرت أعمال لا تعكس أي فن أو خبرة في النقش.
وبعد انتشار صور الفضيحة، تتجه الجهة المسؤولة لإزالة التمثال المُسيء، إلا أنه بعد أيام قليلة نجد محافظة أخرى تضع تمثالًا مشابهًا في مكان مشهور، مما يظهر وكأن هناك حلقة مفرغة من الفشل الإداري.
هذا الوضع يُظهر بوضوح كيف أن الفساد في الحكومة المصرية لا يتوقف عند حدود معينة بل يمتد ليشمل كافة القطاعات، بما فيها الثقافة والفنون. إن ما يحدث هو جريمة في حق التاريخ والتراث، ويستوجب تحركًا فوريًا من قبل الجهات المعنية لإنقاذ ما تبقى من الإرث الفني والثقافي.
في ظل هذا الوضع المأساوي، يتوجب على كل من يهمه الأمر أن يتساءل كيف يمكن لحكومة تدعي الاهتمام بالفنون والثقافة أن تسمح بمثل هذه التجاوزات. يجب أن يتم التحقيق في هذه العمليات ومعاقبة المتورطين فيها، فالتاريخ لا يُمحى بمثل هذه الأعمال التدميرية، والأجيال القادمة لها الحق في أن ترى فنونًا تحترم تاريخها وقيمتها.
إن الفشل الإداري والفساد هما النتيجتان الأبرز في هذه القصة، حيث تظهر الحكومة المصرية وكأنها لا تعير أي اهتمام لما يحدث لتاريخها الفني والثقافي. إن الوضع الحالي يتطلب وقفة جادة من جميع المعنيين، فالاستمرار في هذا النهج لن يؤدي إلا إلى تدمير الهوية الثقافية للبلاد.
مع تصاعد الاستياء بين الفنانين والمواطنين على حد سواء، تبرز الحاجة الملحة لتغيير جذري في السياسات الثقافية والإدارية. إن الإهمال المستمر لن يؤدي إلا إلى نتائج كارثية لا يمكن تداركها في المستقبل، فالتاريخ يُصنع الآن ولا يمكن تركه عرضة للتلاعب والفساد.
إذا كانت هناك أية نية حقيقية لإنقاذ ما تبقى من الإرث الثقافي، فعلى الحكومة أن تُعيد النظر في استراتيجياتها وتدرك أن الفنون ليست مجرد كماليات بل هي جزء لا يتجزأ من هوية الأمة. إذًا، ما لم تتحرك الدولة بشكل عاجل وتبدأ في اتخاذ إجراءات حقيقية للحفاظ على هذه التماثيل، فإن مصيرها سيكون مصير تاريخ كامل يمحى من ذاكرة الشعب.