بينما تتبجح الحكومة المصرية بمشاريع وهمية وإنجازات زائفة، تتفاقم أزمة نقص أطباء الأسنان لتكشف مدى الإهمال والفساد المتجذر في أجهزة الدولة.
في عام 2021، بلغ إجمالي عدد أطباء الأسنان في مصر 34.3 ألف طبيب فقط، بمعدل كارثي لا يتجاوز 3.4 طبيب لكل 10 آلاف مواطن.
هذا الرقم الكارثي يفضح حقيقة تقاعس الحكومة بقيادة وزارة الصحة والسكان في التعامل مع واحدة من أخطر الأزمات الصحية التي تهدد ملايين المصريين.
في بلد تجاوز عدد سكانه 104 ملايين نسمة، لا يعقل أن يكون هذا العدد الهزيل من أطباء الأسنان كافياً لتلبية احتياجات الناس، خاصة في ظل تزايد حالات الأمراض المرتبطة بصحة الفم والأسنان.
يبدو أن الحكومة المصرية، برئاسة مصطفى مدبولي ووزيرة الصحة هالة زايد، تعيش في عالم آخر، غير مدركة للأزمة الحقيقية التي تتفجر يومًا بعد يوم في وجه الشعب المصري.
كيف يمكن لحكومة تدعي الاهتمام بالمواطن أن تسمح بوصول الوضع الصحي إلى هذا الحد من التدهور؟
التقرير الذي صدر عن وزارة الصحة يكشف عن توزيع غير متوازن لأطباء الأسنان في مختلف المحافظات. في حين تتمتع القاهرة الكبرى والمدن الساحلية مثل الإسكندرية بعدد معقول من أطباء الأسنان، فإن المناطق النائية مثل محافظات الصعيد وشمال سيناء تعاني من نقص حاد ومهول.
هذا الفارق الكبير في توزيع الأطباء بين المحافظات لا يعكس فقط تقاعس الحكومة، بل يكشف عن سياسات فساد تفضح كيفية إدارة الموارد الطبية في البلاد.
فأين ذهبت أموال الموازنة المخصصة للرعاية الصحية؟ وأين هي الخطط التي تتحدث عنها الحكومة دائمًا لتحسين النظام الصحي؟ الحقيقة أن هذه الخطط لا تتجاوز كونها شعارات جوفاء يرددها المسؤولون في المؤتمرات بينما يغرق المواطنون في أزمات صحية متزايدة.
إذا كانت الحكومة المصرية، بقيادة مصطفى مدبولي، قد فشلت في توزيع أطباء الأسنان بشكل عادل، فكيف نتوقع منها أن تعالج مشكلات أكبر مثل نقص الأدوية والمعدات الطبية؟
في عام 2021، وعلى الرغم من تخرج آلاف الأطباء الجدد من كليات طب الأسنان، إلا أن الحكومة لم تبذل أي جهد حقيقي لتوظيف هؤلاء الخريجين في المستشفيات والمراكز الصحية العامة. بل تركتهم ليعانوا من البطالة أو العمل في القطاع الخاص بأسعار خيالية لا يقدر عليها المواطن البسيط.
هذا الفشل في توظيف الكوادر الطبية المؤهلة يشير بشكل واضح إلى مدى تغلغل الفساد في منظومة الصحة في مصر.
فمن المسؤول عن هذا الإهمال؟ هل هي وزارة الصحة التي لا تزال تردد نفس الوعود الكاذبة بتحسين الخدمات الطبية؟ أم أن الحكومة بأكملها شريكة في هذا الفشل المتواصل؟
الأزمة لا تقتصر على نقص الأطباء فقط، بل تتعدى ذلك إلى سوء التخطيط وغياب الرؤية الواضحة. فكيف يتم توزيع أطباء الأسنان بهذه الطريقة غير المتوازنة، حيث تعاني المحافظات الأشد فقرًا مثل أسيوط وسوهاج من عجز تام في عدد الأطباء،
بينما تتكدس العاصمة بالأطباء الذين يفضلون العمل في العيادات الخاصة للحصول على رواتب أعلى؟ أين العدالة التي تتحدث عنها الحكومة؟ لماذا تترك الحكومة مواطنيها في الصعيد وسيناء تحت رحمة سوء التخطيط وسوء التوزيع؟
إن فساد الحكومة المصرية لا يتوقف عند هذا الحد، بل يمتد إلى تلاعبات في تعيين الأطباء بناءً على مصالح شخصية ومحسوبية. كيف يمكن تفسير هذا التباين الصارخ في الخدمات الصحية بين المحافظات؟
ولماذا تظل المناطق الريفية تعاني من نقص حاد في أطباء الأسنان بينما يتمتع سكان المدن الكبرى بخدمات أفضل؟
هذه الأسئلة يجب أن توجه إلى رئيس الحكومة مصطفى مدبولي ووزيرة الصحة هالة زايد، اللذين يبدوان عاجزين تمامًا عن تقديم حلول حقيقية.
المثير للسخرية أن الحكومة المصرية تروج لمشاريع ضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، بينما تتجاهل الأزمات التي تمس حياة المواطن اليومية.
ما الفائدة من بناء ناطحات سحاب ومدن جديدة إذا كانت صحة المواطن مهددة بشكل يومي بسبب نقص الرعاية الطبية؟ كيف يمكن لحكومة تدعي العمل من أجل الشعب أن تتركه يعاني من أبسط المشكلات الصحية؟
الأرقام لا تكذب، و34.3 ألف طبيب أسنان لا يمكنهم بأي حال من الأحوال تلبية احتياجات 104 ملايين مواطن، فما الذي تنتظره الحكومة لتتحرك؟
إن عجز الحكومة عن حل هذه الأزمة ليس مجرد فشل إداري، بل هو دليل على فساد ممنهج يعصف بكل قطاعات الدولة. المواطن المصري يدفع الثمن من صحته وحياته بينما يواصل المسؤولون تكديس الأموال في مشاريع لا تعود عليه بأي نفع.
إلى متى ستظل الحكومة المصرية غارقة في هذا الفساد؟ هل يجب على المواطنين أن يعانوا من مشكلات صحية تهدد حياتهم قبل أن تتحرك الحكومة؟ أم أن هذا الإهمال مقصود لإرضاء مصالح فئات معينة على حساب الفئات الأضعف في المجتمع؟
في ظل هذه الكارثة الصحية، لا يمكن الصمت بعد الآن. أرقام وزارة الصحة تكشف الحقيقة المرة: الحكومة المصرية فشلت فشلاً ذريعًا في تقديم أبسط الخدمات الطبية لمواطنيها.
ومع تزايد عدد السكان عامًا بعد عام، تزداد الحاجة إلى تحرك فوري وجاد لحل هذه الأزمة. لكن هل نرى هذا التحرك من الحكومة؟ للأسف، الإجابة واضحة للجميع.