في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وتراجع مستويات المعيشة للمواطنين، تظهر أرقام جديدة تفضح حجم الفساد والتقصير في السياسات الحكومية.
وفقًا لبيانات رسمية، ارتفعت واردات مصر من التبغ ومصنعاته بشكل كبير، حيث بلغت قيمة هذه الواردات 341 مليون دولار في عام 2023 مقارنة بـ296.6 مليون دولار في عام 2022، مسجلة زيادة بنسبة 15%.
هذا الارتفاع الكبير يثير الكثير من التساؤلات حول أولويات الحكومة، التي تبدو مشغولة بتعزيز قطاع يضر بصحة المواطنين ويستنزف العملة الصعبة، بينما تتجاهل القطاعات التي تحتاج إلى دعم حقيقي لتحسين الاقتصاد الوطني وحياة المواطنين.
بينما يعاني المواطن المصري البسيط من ارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور الخدمات الأساسية، يبدو أن الحكومة المصرية لا تكترث للضرر الذي يلحق بصحة المواطنين من خلال تعزيز واردات التبغ، بل على العكس، تساهم في زيادة هذه الواردات بصورة لافتة.
وكأن الحكومة تفضل الاستثمار في الصناعات المدمرة للصحة بدلاً من توفير السلع الأساسية بأسعار معقولة أو تحسين الخدمات الصحية المتدهورة.
ومن المؤسف أن الزيادة الكبيرة في واردات التبغ تأتي في وقت تعاني فيه مصر من أزمة في العملات الأجنبية، مما يجعل من الواضح أن الحكومة قد فشلت في اتخاذ التدابير اللازمة لترشيد استيراد السلع الكمالية أو المنتجات التي لا تسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني.
فبدلاً من اتخاذ خطوات جادة للحد من الاستيراد غير الضروري، تستمر الحكومة في هدر العملة الصعبة على منتجات التبغ، مما يزيد من التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
المثير للسخرية أن هذه الأرقام تأتي في وقت ترفع فيه الحكومة المصرية شعارات متكررة حول محاولاتها تحسين صحة المواطنين وتقليل الإنفاق على السلع الضارة، لكن الحقيقة الصادمة أن تلك الشعارات تبقى مجرد حبر على ورق، في ظل السياسات الواقعية التي تعكس تجاهلًا كاملًا لأوضاع المواطن وصحته ومستقبله.
كيف يمكن لحكومة تدعي حماية صحة الشعب أن تسمح بزيادة واردات سلعة تؤدي إلى زيادة أمراض خطيرة مثل السرطان وأمراض القلب والرئة؟
المسؤولون الحكوميون، الذين يدعون دائمًا أنهم يعملون لمصلحة المواطن، عليهم أن يجيبوا على هذه الأسئلة الصعبة لماذا يتم إنفاق ملايين الدولارات على استيراد منتجات ضارة بينما تعاني البلاد من نقص في المواد الأساسية؟
لماذا لا يتم توجيه هذه الأموال إلى تحسين النظام الصحي أو دعم الإنتاج المحلي؟ ومن المستفيد الحقيقي من هذه الواردات الضخمة؟ هل هي المصالح الخاصة لبعض المسؤولين الذين يغضون النظر عن الأضرار الحقيقية التي تلحق بالمواطنين مقابل مكاسب مالية؟
في الوقت الذي تواجه فيه مصر ارتفاعًا حادًا في معدلات البطالة وتضخمًا لا يتوقف، يجب أن تكون هناك شفافية حقيقية حول أسباب زيادة واردات التبغ.
هل تسعى الحكومة لتغطية عجز في الميزانية من خلال الضرائب المفروضة على التبغ؟ أم أن هناك مصالح أخرى غير معلنة تقف وراء هذا الارتفاع المثير للشبهات؟ يجب أن تتوقف الحكومة عن تجاهل هذه التساؤلات المشروعة وأن تكشف حقيقة ما يجري خلف الكواليس.
وإذا أضفنا إلى ذلك، التقارير المتكررة عن الفساد المستشري في مختلف مؤسسات الدولة، فإن الشكوك حول تورط جهات داخل الحكومة في هذا الملف تتزايد.
فمن غير المعقول أن ترتفع واردات التبغ بهذه النسبة دون أن تكون هناك استفادة مباشرة من قبل بعض الأفراد ذوي النفوذ الذين يديرون هذه العمليات. كيف يمكن تفسير هذا الارتفاع في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من تحديات كبيرة؟
من الواضح أن الحكومة المصرية تفضل التعتيم على هذه الحقائق وعدم تقديم تفسيرات واضحة حول السياسات الاقتصادية التي تديرها، متجاهلة كل الدعوات إلى الشفافية والمحاسبة.
فكيف يمكن تبرير إنفاق أكثر من 340 مليون دولار على استيراد التبغ في عام واحد؟ ولماذا لا تتم محاسبة المسؤولين عن هذه القرارات الكارثية التي تؤثر بشكل مباشر على صحة المواطنين واقتصاد البلاد؟
إذا كانت الحكومة المصرية جادة في إصلاح الوضع الاقتصادي وتحسين حياة المواطنين، فإن أولى خطواتها يجب أن تكون وقف هذا النزيف في استيراد السلع التي تضر بالصحة والاقتصاد.
لكن يبدو أن هذه الحكومة قد اختارت طريقًا مختلفًا، حيث تفضل تغذية مصالحها الخاصة على حساب المواطن، دون أي اعتبار لما يعانيه الناس يوميًا من ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية.
ويجب أن يظل السؤال الأهم: إلى متى ستستمر الحكومة في تجاهل معاناة المواطنين وتفضيل المصالح الشخصية لبعض المسؤولين على حساب الصحة العامة والاقتصاد الوطني؟
هذا السؤال بحاجة إلى إجابة عاجلة، لأن الاستمرار في هذا النهج لا يضر فقط بالاقتصاد بل يهدد مستقبل مصر بأكمله