اقتصادتقارير

ارتفاع عائد أذون الخزانة .. تجسيد للفساد الحكومي والتقاعس المميت

تعيش مصر فترة حرجة من التقلبات الاقتصادية التي تهدد مستقبلها المالي مع تسجيل متوسط سعر العائد على أذون الخزانة المحلية لأجل ثلاثة أشهر مستويات غير مسبوقة بلغت 30% لأول مرة منذ تحرير سعر الصرف في مارس الماضي

وذلك حسب بيانات البنك المركزي المصري وبالنظر إلى هذه الأرقام المثيرة للقلق يتضح أن الحكومة لم تتخذ خطوات حقيقية لمعالجة الأزمات الاقتصادية بل زادت من عمقها

خلال الأربعة أشهر الماضية ارتفعت عوائد أذون الخزانة بشكل متتالي في مؤشر واضح على الضغوط المتزايدة التي تواجه الحكومة لجمع السيولة الضرورية لتمويل عجز الموازنة العامة

وهذا الارتفاع يعكس عدم كفاءة الحكومة في إدارة الاقتصاد وغياب رؤية شاملة تنقذ البلاد من أزمتها المستفحلة فعلى الرغم من أن الحكومة ترفع العوائد لاستقطاب المستثمرين إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لتحفيزهم في ظل التضخم المتصاعد والذي بلغ الشهر الماضي 26.4%

التضخم المتوقع أن يصل إلى 27.5% بنهاية العام يضع الحكومة في مأزق حقيقي فالارتفاع المزعوم في العائد على أذون الخزانة لا يعكس العائد الحقيقي للمستثمرين الذين لن يحصلوا في النهاية سوى على 2.5% فقط بعد خصم التضخم

ورغم هذه الحقائق تشير التقارير إلى أن هناك عزوفًا واضحًا من المستثمرين المحليين عن الاكتتاب في أذون الخزانة وذلك بسبب الفوائد السلبية بعد خصم الضرائب ما يعكس عدم ثقة المستثمرين في قدرة الحكومة على إدارة الأوضاع المالية

من جهة أخرى تراجعت الطلبات من المستثمرين الأجانب منذ يونيو الماضي نتيجة المخاطر الجيوسياسية وهو ما دفع الحكومة إلى زيادة أسعار الفائدة في محاولة يائسة لاستقطاب هؤلاء المستثمرين مرة أخرى

فالبنوك بدأت توجه فوائض السيولة إلى ودائع البنك المركزي بمعدل فائدة يصل إلى 27.75 بالمائة في حين تسجل العوائد على أذون الخزانة معدلات أقل مما يزيد من عمق الأزمة

واقع مؤلم بلا حلول

تظهر الأرقام أن مصر تعاني من أزمة مزمنة في توليد العملة الصعبة على مدار السنوات العشر الماضية حيث تركزت استثمارات الدولة بشكل رئيسي على البنية التحتية والعقارات وهي استثمارات غير منتجة ومرتبطة بالديون

مما جعل الاقتصاد عرضة لأية أزمات سواء كانت إقليمية أو عالمية وعندما تفاقمت الأزمات الإقليمية مع تصاعد الحرب في غزة تأثرت حركة الملاحة في قناة السويس بشكل كبير مما زاد من فقدان العملة الصعبة في البلاد

وعلى الرغم من تأكيدات وزارة المالية بأنها تستهدف خفض الدين العام إلى 88.2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي الحالي 2025/2024 إلا أن هذه الأهداف تبدو غير واقعية تمامًا في ظل ممارسات الحكومة المستمرة في استقطاب ديون جديدة بشكل دوري لتغطية العجز أو استحقاقات العطاءات القديمة

ومن المثير للاهتمام أن العطاءات الضخمة التي استقطبت بعد تعويم الجنيه في مارس الماضي بلغت 22 مليار دولار وهو ما يعكس شراهة الحكومة في الاستدانة

الاستمرار في سياسة الاستدانة لا يؤدي إلا لخلق فجوة كبيرة من العجز المالي مما يزيد من الأعباء المعيشية للمواطنين الذين يتحملون أعباء ديون لم يُستشاروا بشأنها

وبدلاً من أن تسعى الحكومة لوضع خطة فعالة للتقليل من الاعتماد على الديون وتحفيز الاستثمار في القطاعات الإنتاجية فإنها تستمر في سياسة ترقيع الديون دون أي خطة واضحة

مسؤولية الحكومة

يجب أن تتحمل الحكومة كامل مسؤولياتها أمام المواطنين وأن تبذل الجهود لتقليل الاعتماد على الديون بل يجب أن تكون هناك استراتيجيات واضحة تضمن حشد الموارد المحلية وتحفيز الاستثمارات الحقيقية

لكن إذا كانت الحكومة عاجزة عن اتخاذ خطوات حقيقية في هذا الاتجاه فإن الأجدر بها هو ترك المجال لإدارة جديدة تمتلك القدرة على إنقاذ البلاد من الفشل والانزلاق في مستنقع الديون

إن استمرار الوضع الراهن لن يثمر عن نتائج إيجابية بل سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ويدفع بالبلاد نحو هاوية سحيقة لذا حان الوقت لوضع حد لهذه السياسات الفاشلة والبحث عن بدائل واقعية تنقذ مصر من مصيرها المظلم

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى