تقاريرمحافظات

شبرا الخيمة تحتضر: الحكومة المصرية تتجاهل انهيار صناعة الغزل والنسيج

تاريخ صناعة الغزل والنسيج في مصر هو تاريخ من الفخر والنجاح الاقتصادي لكنها اليوم تقف على حافة الهاوية أمام أزمات متلاحقة تكاد تقضي على ما تبقى من هذه الصناعة التاريخية العريقة

ففي حين تتلقى إحدى قلعتين مهمتين في هذا المجال الدعم والتحديث تواصل القلعة الثانية رحلتها نحو الانهيار في غياب أي رؤية واضحة أو خطة إنقاذ حقيقية إن شبرا الخيمة التي كانت يوماً ما رمزاً للصناعة باتت الآن تعاني من أزمة خانقة تهدد بقاءها

في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت شبرا الخيمة تزخر بأكثر من ألف مصنع يعمل فيها آلاف العمال وكانت توفر مصدر رزق لآلاف الأسر

ولكن اليوم لم يتبقى منها سوى ثلاثمئة مصنع فقط أي أن ما يقرب من سبعين بالمئة من هذه المصانع أغلقت أبوابها بسبب إهمال الحكومة وتجاهلها لمشاكل الصناعة المتزايدة والتي تتفاقم يوماً بعد يوم حيث يتربص شبح الإغلاق بالعاملين في هذه المصانع وتتعرض رؤوس الأموال للإهدار بشكل يومي

إن تزايد أسعار المواد الخام والطاقة أصبح كابوساً يؤرق أصحاب المصانع فبالإضافة إلى تهريب الأقمشة المستوردة التي اجتاحت السوق المحلي زادت أسعار المواد الخام بشكل غير مسبوق

حيث ارتفع سعر طن الغزل الشعبي ليصل إلى 120 ألف جنيها بعد أن كان لا يتجاوز 25 ألف جنيها وهو ما يضع أصحاب المصانع في مأزق حقيقي إذ أصبح من الصعب عليهم الاستمرار في الإنتاج مع هذه التكلفة الباهظة

كما أن العمالة التي كانت تملأ هذه المصانع باتت تهرب إلى وظائف أخرى أكثر ربحاً مثل العمل على التكاتك حيث تبلغ الأجر اليومي فيها نحو 500 جنيها

بينما في المصانع لا يتجاوز الأجر 300 جنيها في ظل هذه الأوضاع المتردية فمن يلوم العمال إذا قرروا تغيير وجهتهم نحو ما يؤمن لهم حياة كريمة في ظل غياب أي أمل في تحسين ظروفهم

إن ما حدث في شبرا الخيمة هو نتيجة واضحة لتراكم الأزمات وفشل السياسات الحكومية فالمنطقة تعاني من تجاهل متعمد من قبل المسؤولين وعدم اهتمام بإيجاد حلول جذرية للمشاكل القائمة

وعلى الرغم من دعوات أصحاب المصانع المتكررة بضرورة تخفيض أسعار الطاقة والغاز ومنع التهريب إلا أن هذه المطالب لم تجد آذاناً صاغية

إن دعم الصناعة المحلية لم يعد ترفاً بل هو ضرورة ملحة يجب أن تكون أولوية للحكومة لأن صناعة الغزل والنسيج تعد من الصناعات كثيفة العمالة التي تسهم في دعم الاقتصاد الوطني

فالانهيار الكامل لهذه الصناعة لن يكون كارثياً فقط على العمال وأسرهم بل سيكون له تأثيرات سلبية على الاقتصاد ككل

الواقع اليوم يؤكد أننا أمام وضع كارثي يتطلب تدخلاً سريعاً وفعّالاً فالأرقام تتحدث عن نفسها فبدلاً من أن نشهد تنمية مستدامة يجب أن نواجه حقيقة أن هناك أكثر من سبعمئة مصنع أغلقت وأصبحت الأرض التي كانت تحتضنها مهددة بالبيع كشقق سكنية أو استثمارات أخرى

إن الوضع في شبرا الخيمة يشبه إلى حد كبير ما شهدته المحلة الكبرى من تراجع لكن ما يثير الدهشة أن الحكومة قد اختارت التركيز على المحلة دون النظر إلى ما يجري في شبرا الخيمة وكأنها تتجاهل واقعاً مؤلماً يعيشه العديد من العمال وأصحاب المصانع الذين كانوا يشكلون يوماً ما العمود الفقري لهذه الصناعة

ومع كل يوم يمر تتعمق أزمة الغزل والنسيج أكثر فأكثر فلا يكفي أن تكون هناك خطط تطوير للمصانع بل يجب أن تشمل هذه الخطط حلاً حقيقياً لمشاكل الأسعار والتهريب التي تواجه الصناعة بشكل يومي فقد أصبح من الواضح أن الاستمرار في العمل بهذه الظروف بات شبه مستحيل

فقد عانت شبرا الخيمة من مشاكل تتعلق بتوفير المواد الخام حيث كانت شركات قطاع الأعمال العام المسؤولة عن توفيرها قد أغلقت أبوابها

مما تسبب في نقص حاد في المواد الأولية للمصانع وفي الوقت نفسه ارتفعت الأسعار بشكل جنوني مما زاد من تعقيد الأزمة إذ أصبح من الصعب على أصحاب المصانع التعامل مع هذا الواقع المرير

ومع تفشي ظاهرة تهريب الأقمشة المستوردة أصبحت المنافسة غير عادلة فالأقمشة المستوردة غالباً ما تكون أقل في التكلفة وأعلى في الجودة بالمقارنة مع المنتجات المحلية التي تعاني من تدني جودة المعدات المستخدمة في التصنيع والتي تعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي

ومع كل جولة من جولات تعويم الجنيه ورفع أسعار الطاقة تنفجر الأسعار بشكل جنوني ليصل طن الغزل اليوم إلى نحو 76 ألف جنيها في حين كان قبل جائحة كورونا لا يتجاوز 18 ألف جنيها وهو ما يعكس أزمة حقيقية تواجهها الصناعة من جميع الاتجاهات

إن هذا السيناريو المؤلم يتطلب من الحكومة تحركاً عاجلاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فالصناعة المحلية بحاجة إلى دعم حقيقي ومراقبة شديدة للسوق لحماية ما تبقى من المصانع من الإغلاق وبناءً على ما سبق فإنه يجب على الحكومة أن تعيد النظر في استراتيجياتها وأولوياتها لتحقيق تنمية حقيقية لصناعة الغزل والنسيج

ومما يؤسف له أن مصانع كبيرة للغزل والنسيج لا تزال تواجه صعوبات في التشغيل على الرغم من القدرة على تشغيلها بنصف طاقتها الإنتاجية

مما يعني توفير فرص عمل جديدة للشباب بينما لا زالت الحكومة تتجاهل هذا الأمر الحساس بل وتتجاهل أيضاً المخاطر المرتبطة بإغلاق المزيد من المصانع

وعلينا أن ندرك جميعاً أن النهوض بصناعة الغزل والنسيج لا يقتصر فقط على بناء مصانع جديدة بل يتطلب الحفاظ على المصانع الحالية ودعمها بكافة السبل المتاحة وأن تكون هناك خطة واضحة لإنقاذ الصناعة من هذا الانهيار المروع

إن المرحلة القادمة هي مرحلة حساسة تحتاج إلى استراتيجيات واضحة وتعاون جاد من جميع الأطراف المعنية وعلى الحكومة أن تدرك أهمية النهوض بصناعة الغزل والنسيج التي تعد أحد المصادر الرئيسية للاقتصاد المصري

إن الأمل ما زال موجوداً في أن تتخذ الحكومة خطوات عاجلة وفعالة لإنقاذ هذه الصناعة قبل أن نصل إلى مرحلة يصبح فيها الحديث عن الغزل والنسيج في شبرا الخيمة مجرد ذكرى من الماضي الأليم

لذلك فإن الأمر يتطلب من الجميع تضافر الجهود من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الصناعة التاريخية التي تحتاج إلى خطة شاملة وواقعية تضمن عودتها إلى سابق عهدها وتعيد الأمل للعمال وأسرهم في ظل واقع اقتصادي صعب ومؤلم

وعلينا أن نتذكر دائماً أن صناعة الغزل والنسيج ليست مجرد أرقام أو مصانع بل هي حياة العديد من الأسر التي تعتمد عليها وهذا ما يتطلب منا جميعاً الالتفاف حول هذه الصناعة ودعمها بكل قوة قبل فوات الأوان لأن انهيارها يعني انهيار الكثير من الأحلام والآمال

إن أي تأخير أو تردد في اتخاذ القرارات اللازمة قد يؤدي إلى نتائج كارثية لا يمكن تداركها لذا يجب أن يكون لدينا رؤية واضحة وطموحة لإنقاذ الصناعة وتحقيق النجاح المنشود في هذا المجال الحيوي الذي يعكس جزءاً كبيراً من الهوية المصرية

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى