تقاريرمصر

تقاعس الحكومة يفاقم أزمة التمريض ويهدد حياة الملايين في مصر

تشهد مصر كارثة حقيقية في قطاع التمريض تهدد حياة المواطنين بشكل يومي بسبب الفشل الحكومي في معالجة أزمة نقص التمريض.

الأرقام الصادمة والمواقف المتخاذلة من الجهات الرسمية تضع صحة المصريين على المحك، وتؤكد أن هذه الأزمة تتفاقم بشكل مستمر.

التقاعس الحكومي لا يقتصر على حلول قصيرة الأمد، بل يمتد إلى تجاهل المعايير الأساسية التي تضمن توفير كوادر تمريض مؤهلة ومدربة.

ضعف إقبال الذكور على مهنة التمريض.. أزمة تاريخية

الواقع يشير إلى ضعف إقبال الذكور على مهنة التمريض بشكل مزمن. عالميًا، لا تتجاوز نسبة الممرضين الذكور 10%، وفي مصر تصل النسبة إلى 20% فقط، وهي نسبة ضئيلة جدًا مقارنة بالاحتياجات الفعلية.

جذور هذه المشكلة تعود إلى قرون مضت، حيث تأسست مبادئ التمريض في القرن التاسع عشر على قناعة غير علمية بأن الرجال غير ملائمين لمهام التمريض وتضميد الجروح.

هذا الإرث الثقافي والاجتماعي ما زال يلقي بظلاله على الأجيال الجديدة من الذكور، ويعيق انضمامهم إلى هذه المهنة الإنسانية.

الدكتور عبد المنعم فوزي، نقيب الأطباء بالإسكندرية، يصف الأزمة بأنها قديمة ومترسخة، مستشهدًا بتاريخ المهنة الذي يقوم على ممارسات خاطئة ومفاهيم عفا عليها الزمن.

هذه المفاهيم تؤدي إلى نقص شديد في عدد الممرضين الذكور، مما يزيد الضغط على الممرضات الإناث ويهدد بخلل كبير في المنظومة الصحية.

عدم استيعاب الكليات لأعداد الطلاب الجدد

التقصير الحكومي يمتد إلى التعليم. العام الماضي، سجل 85 ألف طالب في كليات التمريض، ومع ذلك، تم قبول 25 ألفًا فقط، أي أن 60 ألف طالب تم إقصاؤهم بسبب نقص الأماكن في الكليات. هذه الأرقام تكشف عن عجز صارخ في استيعاب الجامعات للطلاب الراغبين في دخول مجال التمريض.

ورغم وجود 26 جامعة حكومية و4 جامعات أهلية و5 جامعات خاصة لتعليم التمريض، إلا أن هذا العدد لا يزال غير كافٍ لتلبية الاحتياجات المتزايدة للقطاع الصحي.

كوثر محمود، نقيب الممرضين، تحذر من أن الأوضاع ستزداد سوءًا في المستقبل، مشيرة إلى أن العدد المطلوب من الممرضين في مصر لتغطية الاحتياجات الصحية يتجاوز المليون ممرض.

ومع تعميم منظومة التأمين الصحي الشامل بحلول عام 2030، من المتوقع أن يتضاعف العجز إذا لم تتحرك الحكومة بشكل عاجل لحل هذه الأزمة.

افتقار إلى التدريب المناسب.. والمريض يدفع الثمن

لا تقف المشكلة عند حد النقص في الأعداد، بل تتفاقم بسبب افتقار المؤسسات الصحية إلى توفير التدريب المناسب للكوادر التمريضية.

هذا النقص يؤدي إلى تحميل المؤسسات الصحية تكاليف باهظة لتوفير تدريب مستمر للممرضين الجدد، وتنعكس هذه التكاليف في النهاية على المواطن البسيط، الذي يجد نفسه مضطرًا لدفع مبالغ ضخمة لتلقي العلاج.

المؤسسات الصحية تعاني من عدم جاهزية الممرضين لتلبية متطلبات الرعاية الصحية، وهو ما يرفع من معدلات الأخطاء الطبية ويزيد من معاناة المرضى.

الاعتداء على الممرضين.. وزارة الداخلية ترفض التدخل

في ظل هذه الظروف، يتعرض الممرضون إلى اعتداءات متكررة أثناء تأدية عملهم، سواء من قبل المرضى أو ذويهم، وفي ظل غياب تام لأي حماية قانونية.

وزارة الداخلية ترفض تأمين المستشفيات العامة، والحكومة والبرلمان يتجاهلان المطالب النقابية المتكررة بضرورة تعديل التشريعات لتغليظ العقوبات على المعتدين.

الممرضون والممرضات يعملون في بيئة غير آمنة، ويتحملون أعباء جسيمة وسط غياب تام لدور الدولة في توفير الحماية اللازمة لهم.

التهميش المستمر لخريجي المعاهد الصحية
ورغم أن المعاهد الصحية موثقة ومعترف بها من قبل الدولة، إلا أن خريجي هذه المعاهد يعانون من تهميش واضح بعد التخرج، حيث ترفض الجهات الحكومية الاعتراف بشهاداتهم.

هذا التهميش يؤدي إلى تفاقم أزمة النقص في أعداد الممرضين المؤهلين، حيث يتم تجاهل خريجي هذه المعاهد رغم أنهم يمثلون حلاً جاهزًا للمساعدة في سد الفجوة الكبيرة في القطاع الصحي.

عجز كارثي في التمريض يهدد المنظومة الصحية

تشير الأرقام إلى أن العجز في أعداد الممرضين سواء في القطاع الحكومي أو الخاص وصل إلى 35%، وهو رقم كارثي في دولة تحتاج إلى مليون ممرض لتغطية احتياجاتها الصحية.

عدد الممرضين المسجلين في نقابة الممرضين يبلغ 300 ألف ممرض فقط، بينما يقدر العدد الإجمالي للممرضين في مصر بـ800 ألف. الفجوة بين المتاح والمطلوب ضخمة، والحكومة تلتزم الصمت في مواجهة هذه الأزمة المتفاقمة.

الحكومة المصرية تواصل تقاعسها في مواجهة أزمة تمس حياة كل مواطن. لا حلول حقيقية تلوح في الأفق، والأوضاع تزداد سوءًا يومًا بعد يوم.

مصر بحاجة إلى وقفة حقيقية من قبل المسؤولين لحل هذه الأزمة الطاحنة، قبل أن يجد المواطنون أنفسهم ضحية الإهمال الحكومي والموت البطيء في المستشفيات التي تفتقر إلى أبسط متطلبات الرعاية الصحية.

تقاعس حكومي يهدد بانهيار المنظومة الصحية في مصر

أزمة التمريض في مصر ليست مجرد مشكلة نقص في الأعداد، بل هي أزمة متكاملة تشمل التدريب والحماية القانونية والتعامل مع خريجي المعاهد الصحية. الحلول الجزئية لن تكون كافية، ويجب على الحكومة التحرك فورًا قبل أن تنهار المنظومة الصحية بالكامل.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى