مقالات ورأى

ياسين اكتاي يكتب: لقد حان الوقت لمواجهة العصابات الصهيونية

إن الخطابات المكررة والشعارات المستهلكة والتعبيرات الجوفاء المبتذلة التي تُردد باستمرار هي أكبر معوقات السياسة، فالتكرار المستمر لهذه الشعارات حول شخصيات أو أحداث معينة لا يعرقل الفهم فحسب، بل يصبح بعد فترة، عائقًا حتى أمام من يعتمدون عليها كمهارة في إدارة الأمور.

وفي هذه الحالة تفقد السياسة تدريجيًا قدرتها على إيجاد الحلول والتكيف بما يتناسب مع الظروف المستجدة، لتتحول إلى وسيلة لخدمة تلك الشعارات وتقديسها، مما يخلق حالة خطرة من التقديس الأعمى.

وهكذا، يصبح العمل السياسي مقتصراً على عبادة بعض الشعارات والأفكار والمفاهيم المتطرفة، بدلاً من خدمة الشعب. وتتسبب هذه المفاهيم المتطرفة في زيادة الانقسامات بين الناس، لتدفعهم نحو العداوة دون أن يدركوا أنهم يتصارعون في النهاية على أمور لا طائل منها.

أما السياسة الحقيقية بالنسبة للإنسان، فتتطلب إدراكًا واعيًا وأولوية للفهم، حيث تزيل الأنماط المتكررة وتفتح المجال أمام الجميع للتحرك والتغيير في المشهد السياسي.

إن تصريح دولت بهجلي في اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه، حين قال: “إذا تم رفع العزلة عن زعيم الإرهاب، فليأتي ويتحدث في اجتماع مجموعة حزب “الديمقراطية والمساواة للشعوب” في البرلمان التركي، قد قلب كل الأفكار المسبقة والشعارات المبتذلة والأنماط المتداولة التي سيطرت على العقول والقلوب والسياسة لفترة طويلة. غير أن هذا الطرح ربما أعاد إحياء نمط متكرر واحد فقط وهو تفاعل الأطراف التي تأثرت بهذا الخطاب بالطريقة التقليدية وبأسلوب مألوف.

تكمن قوة دعوة بهجلي في جانبين: أولهما أن هذا الطرح لم يكن يُتوقع منه شخصياً، والثاني أنه يعكس حاجة ملحّة لمعالجة انسداد سياسي حقيقي أو استجابة لمتطلبات سياسية باتت ضرورية. ففي بعض الأحيان، يكون الجميع مدركًا للحاجة إلى كسر الأنماط المألوفة التي تعيق السياسة، لكن نادرًا ما يمتلك أحد الجرأة لتحقيق ذلك. إن الذين يتطلعون إلى العيش معًا في إطار من التفاهم رغم كل شيء، وكأعضاء فاعلة في جسم سياسي واحد يجدون أنفسهم مضطرين إلى ذلك.

لذا ينبغي تجاوز الجدل حول مضمون الدعوة ذاتها، وعدم الانشغال بمسألة إلقاء “أوجلان” خطابًا في البرلمان؛ فمع أن ردود الفعل الغاضبة على هذا المقترح مبررة ومفهومة، إلا أنه من المؤكد أن الحاجة ماسة لتوحيد الصفوف في تركيا، وضمان تكامل الجسم السياسي وصحته. واللافت أن الانتقادات لهذه الدعوة جاءت، كما هو معتاد تجاه أي دعوة للتجديد السياسي، من خارج النسيج الوطني وليست من داخله.

وجاء هجوم توساش في هذا السياق بالذات، من قبل تنظيم”بي كي كي” الإرهابي، الذي اقترح بهجلي إبعاده وتهميشه. وبهذا أكد هذا التنظيم الإرهابي مجدداً اغترابه عن هذا النسيج المجتمعي التركي المتنوع الذي يضم الأتراك والأكراد والعرب، الذين يشتركون في روابط عضوية ويعيشون معاً في هذه الجغرافيا.

إن الفجوة بين تركيا والأكراد تخلق بيئةً يستمد منها “تنظيم “بي كي كي” الإرهابي قوته، وكل محاولات تقليص هذه الفجوة عبر التاريخ تم إحباطها دائمًا من قِبَل مراكز معروفة. وكل من تجرأ على معالجة هذه القضية واجه تحديات جسيمة في الماضي. ووفقًا للصورة التي باتت أكثر وضوحاً مع مرور الوقت فإن الولايات المتحدة قد فرضت على تركيا تكوينًا يخدم الرؤية الصهيونية، يقوم على فصل الأتراك عن الأكراد. وتنظيم “بي كي كي” الإرهابي هو الأداة التي تضمن هذا الفصل وتغذيه باستمرار، ولكنه بدوره يحتاج إلى قومية متعصبة تفتقر إلى رؤية وطنية حقيقية ومصلحة حقيقية لتمنحه القوة والبقاء، وتدعي مقاومته لكنها تغذيه بأقوالها وأفعالها. إنها قومية جاهلة متطرفة لا تفهم التركي أو الكردي، جاهلة بخالقها وطبيعتها وبعيدة عن وعي الذات والآخر.

وبغض النظر عن أهداف هجوم توساش، فقد عزز تأثيره قوة دعوة بهجلي وجعلها أكثر صحة.

وأما تصريحات جميل بايك من قنديل، التي يمكن تلخيصها بـ: ” لن أدع الشعب الكردي حراً” وكأنه فرعون آخر، فقد أضفت مزيدًا من القوة والتأثير على هذه الدعوة. ويبدو أن موسى جديدًا قد انطلق لمواجهة من يستعبدون الأكراد لمصالحهم بالمكر والخداع منذ قرن. إن تحرير الأكراد من قبضة الإمبريالية الصهيونية بات أمرا محتوما.

إن رد حزب “الديمقراطية والمساواة للشعوب” وصلاح الدين دميرطاش على دعوة بهجلي بغض النظر عن الأخطاء السابقة في الماضي، يعد أمراً واعداً لهذه البداية الجديدة. كما أن تحرر حزب “الديمقراطية والمساواة للشعوب” من سيطرة تنظيم “بي كي كي” الإرهابي سيعيد الحزب والحركة الكردية إلى جذورهم الأصيلة وروحهم الحقيقية.

وفي المقابل فإن احتمالية تحرر الشعب الكردي من نفوذ تنظيم “بي كي كي” الإرهابي بشرياً أو مادياً أو خطابياً، والذي يعد منظمة مرتزقة تخدم مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، قد باتت أقوى من ذي قبل. إن رد تنظيم “بي كي كي” الإرهابي على مبادرة بهجلي من خلال هجوم تخريبي استهدف قطاع الدفاع التركي يُظهر مدى التوافق بين المرسل والطرف المستهدف، وفي هذا التوافق يظهر بوضوح من هو المتحدث باسم تنظيم “بي كي كي” الإرهابي ومن هو سيده. فهل يعكس هذا الحصار القوي الذي يفرضه التنظيم الإرهابي على الساحة السياسية لدينا قوة الأطراف الخارجية أم ضعف سياستنا المحلية؟

أما ما طرحه رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، خلال هذه العملية، باستخدام مصطلحات القمار، وعرضه “الدولة التركية على الأكراد” باسم “رفع الأيدي”، فلم يكن إلا محاولة لتحريف هذا التوجه الإيجابي من حيث الأسلوب والسياق، ولم يقدم شيئاً جديداً. فهذا ما يقوله أردوغان وحزب العدالة والتنمية للأكراد منذ البداية؛ ولا حاجة حتى لأكثر القوميين الأكراد تطرفاً إلى السعي لإقامة دولة خاصة بهم؛ فالدولة التركية هي دولة الأكراد، كما هي دولة الأتراك.

في الحقيقة ليس هناك تمييز بين الأتراك والأكراد والعرب والشركس، فالأكراد في تركيا لم يكونوا أبدًا مواطنين من الدرجة الثانية كما هو الحال في العراق أو إيران أو سوريا. إن السياسات التي تجاهلت لغاتهم وهوياتهم في مرحلة ما، لم تستهدف الأكراد وحدهم؛ بل عاش الجميع في تركيا تحت سياسة تجاهلت كل التنوعات في إطار بناء دولة قومية. وقد خضع الأتراك أيضًا لبرنامج توحيد مماثل ضمن هذه السياسات. ولكن هذا موضوع آخر، وقد ناقشناه في السابق كثيرا وسنعود للحديث عنه لاحقًا.

وفي المرحلة التي وصلنا إليها اليوم نحن بحاجة الآن إلى التحدث عن أمور جديدة، وإبداء آراء جديدة. يجب أن نخرج الولايات المتحدة وإسرائيل وذراعهم المتمثل في تنظيم “بي كي كي” الإرهابي من المعادلة، وأن نستعيد وحدتنا الداخلية وتماسكنا، وأن نعمل على توحيد صفوفنا ضد العصابات الصهيونية التي تشكل تهديدًا للإنسانية جمعاء، ونقف على الجانب الصحيح من التاريخ. لقد حان الوقت لذلك.

المصدر موقع “يني شفق

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى