يعاني الأسرى الفلسطينيون ازدياد عدد المصابين – وخصوصا بعد حرب السابع من أكتوبر – بمرض سكابيوس أو (الجرب الجلدي)، ويقف وراء ازدياد أعداد المصابين بالمرض عدة عوامل أوجدتها إدارة سجون الاحتلال، وتسببت بها طبيعة المعتقلات الرطبة المحرومة من التهوية.
وقال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن إدارة سجون الاحتلال “تتعمّد تعريض الأسرى الفلسطينيين للعديد من الأمراض المختلفة، وذلك من خلال الإهمال الطبي، وتعمُّدِ عدم عرض الأسرى على الأطباء المتخصصين”.
ونقل الثوابتة عن أسرى محررين قولهم إن الاحتلال “يتعمد وضعهم في بيئة مرض، ويمنعهم من الاستحمام لمدة شهور، ويمنعهم من استخدام الماء”.
وأعربت “جمعية أطباء الأمراض الجدلية” (مقرها رام الله)، على لسان رئيسها الطبيب رياض مشعل، عن “قلقها البالغ من انتشار أمراض جلدية في أوساط الأسرى، خاصة المعدية منها مثل مرض الجرب”.
سكابيوس، المعروف أيضًا باسم الجرب الجلدي، هو مرض جلدي يسببه طفيلي دقيق يُعرف بعث الجرب. يتميز هذا المرض بإحداث حكة شديدة وطفح جلدي يمكن أن يظهر على مناطق مختلفة من الجسم، خاصة بين الأصابع، في طيات الجلد، وعلى السطح الخارجي للمرفقين. تتسبب هذه الحالة في عدم الراحة وتؤثر سلبًا على حياة المصابين به، مما يستدعي ضرورة فهم طبيعة هذا المرض وأبعاد انتشاره.
إن أسباب انتشار سكابيوس ترتبط بشكل أساسي بعملية انتقال العدوى، التي تحدث عادةً عن طريق الاتصال المباشر مع جلد شخص مصاب، حيث يمكن أن ينتقل الطفيلي بسهولة في ظروف كثافة سكانية عالية. كذلك، يمكن أن تنتقل العدوى عبر استخدام أشياء شخصية كالفراش والمناشف أو الملابس التي تبقى ملوثة بالطفيلي. يعتبر سكابيوس مرضًا معديًا، لذا فهو يتطلب احتياطات خاصة للحد من انتشاره.
يتواجد الطفيل المسبب لمرض سكابيوس تحت سطح الجلد، حيث يقوم بحفر أنفاق صغيرة تتسبب في ردود فعل عكسية من جسم المصاب. يُفرط نظام المناعة في الاستجابة لإفرازات الطفيل، مما يؤدي إلى ظهور الأعراض المميزة للمرض. ونظرًا لطبيعة هذا المرض، يمكن أن يؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، إلا أن الأطفال وكبار السن قد يكونون أكثر عرضة للإصابة. لذا، يعتبر الوعي بطرق الوقاية والعلاج أمرًا حيويًا لوقف انتشار سكابيوس وحماية المصابين.
ما هو مرض الجرب الجلدي “سكابيوس”؟
أوضح طبيب الأمراض الجلدية، رشيد الخطيب، أن “الجرب هو طفح جلدي يسبب حكة تنتج عن سوس ناقب صغير يسمى القارمة الجَرَبية، تحدث حكة شديدة في المنطقة التي ينقب فيها السوس. وقد تكون الرغبة في الحك قوية خلال ساعات الليل”.
وقال يمكن أن تؤدي الحكة الشديدة إلى تشقق الجلد، وربما تسبب عدوى مثل القوباء، وهي عدوى تُصيب سطح الجلد بسبب بكتيريا (المكورات العنقودية) غالبًا أو البكتيريا العقدية (المكورات العقدية) أحيانًا”.
وعن خطورته قال إن “الجرب مرض معدٍ، ويمكن أن ينتشر بسرعة من خلال المخالطة اللصيقة بين أفراد الأسرة، أو السجون. ولما كان الجرب ينتشر بسهولة، فغالبًا ما يوصي الأطباء بمعالجة جميع أفراد الأسرة أو أي شخص يخالط المريض مخالطة لصيقة”.
ويقول الأسير المحرر، الذي فضل الإشارة إلى اسمه بـ “م.ع” (40 عاما)، والذي كان يقبع في سجن “عوفر” قسم 11، “كان لي زميل في السجن يحك لدرجة أننا نسمع صوت الحك بشكل مزعج… كان دمه يسيل من شدة الحكّ”. فيما يؤكد الخطيب على أن “العلامات والندوب تبقى على الجلد للأبد، حتى لو شُفيَ المريض من الجرب”.
وحذر من أنه “يظل بالإمكان نقل عدوى الجرب حتى لو لم تظهر عليك أي أعراض بعد التعافي”.
وكشف أسير محرر آخر، فضل الإشارة إلى اسمه بـ “ح.ح” (21 عاما)، من بلدة “بيتا” في نابلس، وكان يقبع في سجن “مجدو” قسم 1، عن أن الأسرى الذين يعانون الجرب “لا يتلقون العلاج، وكان هناك بعض الأسرى يتمنون أنهم يتعالجون، حتى لو كان المقابل حرمانهم من الخروج من السجن وعذابه، فقط يتمنون العلاج”.
وقال “عندما نطلب من الإدارة الدواء، يقولون لنا: بس تموت بنشوفك … مهما شرحت لك لن أستطيع أن أصف لكم حقيقة المأساة والأهوال… صدقني بعض الأسرى حاولوا الانتحار من صعوبة المرض، ولا يوجد دواء سوى (القرآن الكريم)”.
ازدياد انتشاره بعد 7 تشرين أول/أكتوبر 2023:
أفادت منشورات “هيئة شؤون الأسرى والمحررين” (تابعة للسلطة الفلسطينية) وكذلك “نادي الأسير الفلسطيني” أن إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي أبلغت المحامين فرض حجر صحي على كافة أقسام الأسرى نتيجة لانتشار مرض الجرب “سكابيوس” بين صفوف الأسرى بشكل كبير.
وأوضحت الهيئة ونادي الأسير في بيان مشترك أنّ “مرض الجرب تفشّى بشكل كبير بين صفوف المعتقلين في عدة سجون جرّاء الإجراءات الانتقامية التي فرضتها إدارة السّجون على الأسرى بعد السابع من أكتوبر 2023”.
وهذا ما أكدته شهادات أسرى محررين حديثا لـ “قدس برس”، حيث قال الأسير “م.ع” والذي كان في سجن “عوفر” قائلا “وضع السجون قبل حرب 7 أكتوبر يختلف تماما عما بعده… إدارة السّجون تستخدم المرض كأداة تعذيب وتنكيل”.
أما الأسير “م.س” (34 عامًا) من سكّان “نعلين” في رام الله، فقد قال “شعرنا بأنّ أجسادنا تتعفّن من كثرة الأوساخ. عانى بعضنا من الطفح الجلديّ. لم يكن هناك نظافة صحّيّة. لم يكن هناك صابون، شامبو، فرشاة شعر أو مقصّ أظفار”.
جاء في تقرير مكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن “الأسرى أخبرونا أنهم طيلة فترة الاعتقال داخل السجون يعانون الحكة الشديدة في بداية الأمر نتيجة نقص النظافة والماء، ثم يصبح معهم طفح جلدي خاصة في الأماكن الحساسة في الجسم وبين الأصابع، وعلى الرسغين والمرفقين وعلى القدم، كما تسبب هذا المرض بتقرحات جلدية؛ بسبب الخدش المستمر للجلد. فالسجون عادة عبارة عن أماكن رطبة ومظلمة وعبارة عن زنازين مكتظة تساهم في نمو الفطريات”.
أما تقرير المركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان “بتسيلم”، الصادر في آب/أغسطس 2024، والذي جاء تحت عنوان “أهلا بكم في جهنم” فقد قال “شهود كثيرون ذكروا أنّ السجّانين والطواقمُ الطبّيّة في منشآت الاعتقال امتنعوا عن – لا بل ورفضوًا – منح الأسرى الفلسطينيّين العلاج الطبّيّ الضروريّ، حتّى عندما استدعي الأمر إنقاذ الأرواح. وذكر الشهود أنّ الطواقمُ الطبّيّة ادّعت أمامهم بأنّها تتصرّف وفقًا للتعليمات التي حصلت عليها”.
وجاء في التقرير “مع اندلاع الحرب أعلنت سُلطة السّجون عن اتّباع سياسة (القَفْل) وهي سياسة جديدة غايتها تقليص حركة الأسرى الفلسطينيّين ونشر الوباء لاستخدامه كوسيلة تعذيب ذاتي ولعزلهم عن عائلاتهم ومنع زياراتهم، وهي سياسة تعذيب نفسي مرهقة ومكلفة للسجين ومجانية لإدارة السجون”.
يقول الأسير المحرر “ز.أ” من سكّان مدينة القدس المحتلة إنه “بسبب التردّي المُريع لظروف النظافة الصحّيّة مثل: تقييد الحصول على المياه، منع المياه السّاخنة، ومنعنا من غسْل ملابسنا أو استبدالها، تفشّت أمراض جلديّة لدى جزء من الأسرى، بعضهم عانى أيضًا من البواسير، نتيجة الإمساك الناجم عن قلّة المياه واضطرارنا إلى استخدام المرحاض فقط خلال السّاعة التي توفّرت فيها المياه”.
يؤكد تقرير بيتسليم أنّ “إجراءات إدارة السّجون التي فرضتها على الأسرى، إلى جانب عمليات التّعذيب، كانت السبب المركزي في انتشار المرض”.
ويؤكد هذا أيضا تقرير “نادي الأسير الفلسطيني” حيث جاء فيه “الجريمة الأكبر التي تنفذها اليوم بحق الأسرى هو تعمد نقل الأسرى المصابين بأمراض جلدية معدية من قسم إلى قسم، الأمر الذي ساهم في تصاعد أعداد الإصابات، علما أنه ومن بين المصابين أطفال أسرى – تحديدا – في سجن مجدو”.
أسرى في سجون دولة فوق القانون
يوّثق تقرير “بيتسيلم” التجاوزات القانونية لإدارة السجون الإسرائيلية، وجاء فيه “بهذا تخالف إسرائيل ما نصت عليه اتفاقيّة جنيف في المادة 1 وكذلك معاهدة روما في مناهضة التعذيب باعتباره جريمة ضد الإنسانية”.
من جهتها حمّلت هيئات الأسرى الفلسطينية، إدارةَ سجون الاحتلال “المسؤولية الكاملة عن مصير المعتقلين، خاصّة أنّ السّجون التي تفشى فيها مرض الجرب، يقبع فيها العشرات من الأسرى المرضى، ومنهم من يعانون أمراضاً مزمنة وخطيرة”.
وطالب المدير التنفيذي لـ “الجمعية الإنسانية الدولية للتنمية بلا حدود” (مستقلة مقرها بروكسل) كافة الجهات والمنظمات المعنية بشؤون الأسرى وحقوقهم “إلى التحرك العاجل لوقف معاناتهم، وإطلاق جرس الإنذار وضرورة التدخل الفوري لوقف آثار هذا المرض”.
وشدد على أن “الأسرى القاصرين الذين لا يحظون بأي معاملة خاصة تناسب أعمارهم الصغيرة وأجسادهم الضعيفة، ويُحرمون من الرعاية الطبية اللازمة لهذا المرض وغيره”.
ويشار إلى أن “المؤسسة الدولية للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين – تضامن” (مستقلة مقرها تركيا)، خصصت على موقعها الإلكتروني رابطا (https://otplink.icc-cpi.int) لتقديم الشكاوى للمحكمة الجنائية الدولية، حول الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.