في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمات الاقتصادية في مصر ويتراجع فيه مستوى المعيشة، جاءت أنباء اتفاق الهيئة العامة للسلع التموينية على واحدة من أكبر صفقاتها لتوريد القمح، لتثير موجة من الجدل والاستنكار.
هذا الاتفاق، الذي يتيح للهيئة استيراد نحو 510 آلاف طن من القمح شهريًا من نوفمبر 2024 حتى أبريل 2025، يشير بوضوح إلى تفشي مشكلات الإدارة والرقابة في الحكومة المصرية.
بحسب تقارير وكالة رويترز، فإن كمية القمح الإجمالية التي ستصل إلى الهيئة خلال هذه الفترة تصل إلى 3.12 مليون طن. وهو ما يطرح تساؤلات جادة حول قدرة الحكومة على توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
فهل تعكس هذه الصفقة التوجه الحكومي الفاشل في معالجة أزمة القمح، أم أنها مجرد محاولة لتأمين احتياطات الدولة من الحبوب في ظل تقاعس طويل الأمد عن اتخاذ خطوات فعالة؟
وليس هذا كل شيء، فقد أشارت وكالة رويترز أيضًا إلى أن الهيئة العامة للسلع التموينية، التي تعتبر المشتري الحكومي الأساسي للحبوب في البلاد، قد قامت مؤخرًا بشراء قمح روسي عبر صفقة مباشرة، ما يعد خرقًا للممارسات التقليدية في عمليات الشراء.
هذه الخطوة تعكس الفوضى والارتباك الذي يسيطر على عمليات استيراد القمح، حيث تمثل الشراءات الخارجية السريعة علامة على عدم الثقة في السياسة الزراعية الداخلية وفشل الحكومة في تحسين إنتاج القمح المحلي.
الأرقام تتحدث عن نفسها، فخلال الأشهر الأربعة الماضية، كانت الحكومة المصرية قد طرحت ممارسات لاستيراد قرابة 4 ملايين طن من القمح من عدة مصادر.
وبالرغم من ذلك، ما زالت تعاني من نقص حاد في الاحتياطي الاستراتيجي للقمح، مما يضع الدولة في موقف حرج. فهل تفسر هذه الاتفاقيات المبرمة مع الدول الخارجية عجز الحكومة عن توفير متطلبات مواطنيها؟
الوضع الحالي يعكس عدم استعداد الحكومة لمواجهة الأزمات المتزايدة. وبدلاً من اتخاذ خطوات فعالة لتحسين الإنتاج المحلي من القمح وتعزيز الاستقلالية الغذائية، اختارت الحكومة الاعتماد على الصفقات الخارجية التي تؤكد فشلها الذريع في التعامل مع الأزمات.
في خضم هذه الأزمات، يظل المواطن المصري هو المتضرر الأول. إذ أن ارتفاع أسعار القمح المستورد سيتحمل تبعاته مباشرة عبر زيادة أسعار الخبز والمواد الغذائية الأساسية. وتستمر الحكومة في اتخاذ قرارات غير مدروسة، مما يزيد من حدة الأزمة التي تعاني منها البلاد.
إجمالًا، يظهر هذا الاتفاق ليس كخطوة إيجابية نحو تعزيز الاحتياطي الاستراتيجي للقمح، بل كدليل صارخ على تقاعس الحكومة عن اتخاذ إجراءات جادة لتعزيز الإنتاج المحلي. فالأرقام تتزايد، والمواطنون يعيشون في قلق دائم، في ظل غياب رؤية واضحة من قبل الحكومة في معالجة هذه الأزمة.
إن استيراد 3.12 مليون طن من القمح خلال فترة قادمة لا يمكن أن يكون حلًا طويل الأمد. بل يجب أن يكون هذا الاتفاق بمثابة جرس إنذار للحكومة لتعيد النظر في سياساتها الزراعية والإنتاجية. فهل ستستمر الحكومة في اتباع نفس السياسات الفاشلة، أم أنها ستتخذ خطوات حقيقية لإصلاح الوضع المتدهور؟
الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل الأمن الغذائي في مصر، وما إذا كانت الحكومة ستنجح في تغيير مسارها أم ستظل تعاني من فشلها المتواصل.
إنه الوقت الذي يتطلب من الحكومة المصرية أن تتحمل مسؤولياتها وتعمل على تأمين احتياجات شعبها بدلاً من التوجه نحو الاستيراد الخارجي، الذي لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمات بدلًا من حلها.
باختصار، الأرقام تفضح الحقيقة، والحكومة المصرية بحاجة ماسة إلى الاستيقاظ من سباتها والتوجه نحو إصلاحات حقيقية تضمن لمواطنيها حياة كريمة في ظل الظروف الصعبة. فهل ستفعلها؟
هذا هو السؤال الذي يبقى عالقًا في أذهان الجميع، في وقت يبدو فيه الأفق مظلمًا أمام الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.