تقاريرمصر

أزمة اللحوم تكشف عجز الحكومة وتزيد معاناة المصريين يومًا بعد يوم

باتت أزمة اللحوم في مصر واحدة من أكثر القضايا سخونة وتحديًا، تعكس بشكل صارخ التدهور الاقتصادي والمعاناة المتزايدة للأسر المصرية.

اللحم، هذا المكون الأساسي في غذاء المصريين، أصبح لغزًا لا يمكن حله، حيث تتعدد الأسباب وتتشابك الأرقام لتُظهر مدى الفجوة بين القدرة الشرائية للمواطنين والأسعار المتصاعدة باستمرار.

فبينما يبلغ سعر كيلو اللحوم الحية من النوع الجاموسي 155 جنيهًا ومن النوع البقري 170 جنيهًا، يباع كيلو اللحوم الحمراء للمستهلك بأسعار تتراوح بين 350 و450 جنيهًا، وهو فارق ضخم يعكس حجم الكارثة التي تواجه المجتمع المصري.

ومن المثير للسخرية أن تُبشرنا بعض الصحف بثبات أسعار اللحوم لثلاثة أشهر متتالية وكأنه إنجاز يستحق الفخر، بينما الحقيقة تكمن في أن هذا “الثبات” لا يمثل أي تحسن ملموس على أرض الواقع.

مصر الآن تحتل المرتبة رقم 147 عالميًا من بين 192 دولة من حيث نصيب الفرد من اللحوم، حيث لا يتجاوز نصيب المصري من اللحوم 60 جرامًا يوميًا.

بالمقارنة مع دول الخليج التي يتناول فيها المواطنون يوميًا كميات هائلة من اللحوم؛ البحريني يستهلك 254 جرامًا يوميًا، والقطري 216 جرامًا، وحتى في دول أقل ثراء مثل المغرب ولبنان، يتجاوز نصيب الفرد من اللحوم ما يحصل عليه المصري.

في هذا السياق، شهدت أسعار اللحوم والدواجن ارتفاعًا بلغ 22.3% مقارنة بالعام الماضي وفقًا لتقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ورغم هذا الارتفاع الكبير، لا يزال العديد من المسؤولين يصرون على أن الأسعار لن تتجاوز زيادات طفيفة لا تتعدى 10 جنيهات في الكيلو، وهو ما يبدو غير واقعي بالنظر إلى التذبذب الشديد في أسعار اللحوم بمنافذ البيع المختلفة.

في منافذ وزارة الزراعة، على سبيل المثال، تتراوح أسعار اللحوم بين 300 و330 جنيهًا للكيلو، بينما يبلغ سعر اللحوم المفرومة 260 جنيهًا.

في منافذ مبادرة حياة كريمة، يستقر متوسط سعر اللحوم عند 310 جنيهات، ولكن المفارقة تكمن في أن الأسعار تختلف بشدة بين هذه المنافذ والمحال التجارية.

ففي بعض الأسواق، يصل سعر الكبدة البلدية إلى 490 جنيهًا، بينما يتم بيع اللحوم البلدية بنحو 400 جنيه للكيلو، وهو ما يعني أن اللحوم أصبحت سلعة نادرة يقتصر تناولها على الطبقات الأكثر ثراء.

المأساة الأكبر تتجلى في ردود أفعال المواطنين الذين عبروا عن يأسهم وفقدانهم الأمل في قدرتهم على شراء اللحوم.

أشار مرقص حنا، الموظف الحكومي، لا يخفي استياءه من واقع أصبح فيه سعر اللحوم خارج نطاق قدرة الأسر، حيث باتت العديد من العائلات مجبرة على التخلي عن تناولها تمامًا، وهو ما يثير مخاوف جدية حول صحة الأطفال الذين يعتمدون على البروتينات لبناء أجسادهم بشكل سليم.

الأطفال في مصر اليوم ضحايا مباشرة للتقاعس الحكومي، حيث يتعرضون لنقص حاد في الغذاء الضروري لنموهم، بسبب فشل الحكومة في ضبط الأسعار وتوفير السلع الأساسية بأسعار معقولة.

وأوضح مينا جرجس، موظف آخر، يتحدث بسخرية لا تخفي حجم الألم الذي يعانيه المواطنون، مشيرًا إلى أنه لم يعد هناك “عمار” بينه وبين اللحمة، بل تحول الأمر إلى خصام طويل،

ويضيف بمرارة أنه حتى خيار التحول إلى نباتية أصبح صعبًا، بعد أن أصبح سعر الطماطم يفوق سعر المانجو. كلمات جرجس تعكس اليأس العميق الذي وصل إليه المصريون، حيث أصبحت اللحوم شيئًا من الماضي، بعيدًا عن متناول أيديهم، وكأنهم يعيشون في ظل اقتصاد ينتمي لعالم مختلف.

وتروي مريم محمود، ربة منزل، قصة مؤلمة أخرى، حيث أكدت أن عائلتها نسيت طعم اللحمة تمامًا، مشيرة إلى أن اللحوم أصبحت محصورة في أيدي الأغنياء فقط. نور الهدى، مثل الكثير من الأسر المصرية، تجد نفسها عاجزة عن تلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية، متسائلة: أين الحكومة من هذه الأزمة المتفاقمة؟

وليس المواطنون العاديون وحدهم من يعانون، حتى العمالة غير المنتظمة مثل محمود سعداوي يتحدث عن اللحوم وكأنها أسطورة قديمة، تصريحات مثل هذه تجسد انهيارًا اجتماعيًا خطيرًا وتكشف عن فشل صارخ في التعامل مع أزمة الأسعار، حيث أصبحت اللحوم حلمًا بعيد المنال، وأصبح المواطن المصري يعيش في ظل نظام اقتصادي لا يلبي أبسط احتياجاته.

تتقاعس الحكومة يومًا بعد يوم عن تقديم الحلول الحقيقية، وتكتفي بالتبريرات الفارغة التي تزيد من سخط الشعب، الذي يجد نفسه أمام مستقبل مجهول، في ظل أوضاع اقتصادية كارثية تستمر في التضخم دون أدنى تدخل فعلي يحمي الفئات الأكثر تضررًا.

وفي ظل الفوضى الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، تواصل الحكومة إنكار الواقع المرير، مصممة على أن الأمور تحت السيطرة، وكأن الأزمات المتصاعدة لا تعنيها.

نقيب الفلاحين، في تصريحات غامضة، أشار إلى أن سوق الماشية يعاني من ركود خانق منذ شهور نتيجة انعدام الإقبال على الشراء. ومع اقتراب موسم البرسيم، العلف الرئيسي للماشية، يتوقع أن تشهد الأسعار زيادة طفيفة، لا تتجاوز 10 جنيهات للكيلو.

ولكن هل يعقل أن تكون هذه الزيادة التافهة مقبولة في ظل الارتفاع الصادم في تكاليف الإنتاج، ولا سيما أسعار الأعلاف التي تحلق في سماء التضخم؟

المفارقة الأدهى تكمن في الفجوة الإنتاجية المذهلة التي تعاني منها مصر، حيث لا تغطي سوى 40% من احتياجاتها، بينما تستورد 60% من اللحوم من الخارج.

هذا يعني أن أي ارتفاع عالمي في الأسعار أو اضطراب في سلاسل التوريد قد يؤدي إلى أزمة غذائية كارثية. البلاد الآن أمام مفترق طرق، حيث بات الأمن الغذائي مهددًا بشدة، مما يزيد من مخاوف الشعب الذي يعاني من نقص حاد في السلع الأساسية.

ومع ارتفاع أسعار الأعلاف، خصوصًا الردة التي ارتفعت إلى 400 جنيه للشيكارة، تتكشف خيوط الفساد والاحتكار في عملية توزيع الأعلاف المدعمة. هذا الوضع يزيد الطين بلة، حيث يواجه المربون صعوبة في تحمل الأعباء المالية الباهظة لتغذية ماشيتهم، مما يؤدي إلى تراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.

ورغم كل هذه الأرقام المرعبة، تستمر الحكومة في التقليل من حجم المشكلة، متمسكة بأوهام أن الزيادة المقبلة لن تتجاوز 10 جنيهات.

لكن هذه التصريحات لا تعكس واقع ملايين الأسر المصرية، التي تقبع تحت ضغط تكاليف الحياة اليومية المتزايدة وتراجع الدخول.

في ظل هذا الواقع، لم تعد اللحوم مجرد ترف، بل أصبحت قضية بقاء، وأصبحت الضغوط تتزايد على الحكومة لتحمل مسؤولياتها وإيجاد حلول فعالة.

المواطنون بحاجة ماسة إلى أكثر من مجرد وعود فارغة أو تقارير زائفة عن “ثبات الأسعار”. إن ما يحتاجه المصريون اليوم هو تدخلات جادة وعاجلة تعيد التوازن إلى سوق اللحوم وتضمن توفير البروتينات الأساسية بأسعار في متناول الجميع.

الأزمة ليست مجرد أزمة اقتصادية عابرة، بل هي أزمة إنسانية تهدد صحة وكرامة الشعب المصري. لا بد من التحرك الفوري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن يصبح الأمر أكثر خطورة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى