في تصعيد غير مسبوق يثير القلق والاستياء تسعى القوات المسلحة للاستحواذ على أراضي طرح النهر الممتدة من شبرا حتى حلوان في خطوة تتجاوز كل الحدود
وتكشف عن تقاعس الحكومة المثير للجدل وقد وجهت الجهات المعنية تعليمات صارمة بعدم تجديد عقود حق الانتفاع لجميع أراضي طرح نهر النيل وهو ما يشكل تهديدا مباشرا لمؤسسات ومدارس تعود جذورها لسنوات طويلة مما يطرح تساؤلات مشروعة حول مستقبل هذه الأماكن الحيوية
تشمل المنطقة المستهدفة مجموعة من المنشآت التي تمثل رموزا اجتماعية وثقافية في المجتمع المصري مثل نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة والمسرح العائم وشرطة المسطحات المائية وحديقة أم كلثوم ونادي النيابة الإدارية ونادي قضاة مجلس الدولة
بالإضافة إلى كلية السياحة والفنادق وهي كلها مؤسسات تشهد على تاريخ طويل من العطاء والتفاعل المجتمعي فكيف يمكن للحكومة أن تتجاهل كل هذا وتضحي بمستقبل هذه الكيانات
ردود الأفعال لم تتأخر فقد عبّر عبد السلام النجار رئيس نادي قضاة مجلس الدولة عن موقفه الراسخ حيث أكد أن مقر النادي ليس مجرد مكان للترفيه بل هو المعقل الذي يدير شؤون القضاة الاجتماعية ويدعم أسر الأعضاء الذين فقدوا حياتهم
وأكد النجار أن هناك أهمية بالغة لغرف المداولات الخاصة بالقضاة التي تضمن لهم أداء عملهم بشكل سليم هذه ليست مجرد كلمات بل تعبر عن واقع مؤلم يسود بسبب القرار الحكومي الذي يبدو أنه جاء كصاعقة على كل المعنيين
وفيما يتعلق بكلية السياحة والفنادق فإن القرار بإخلاء مقرها التاريخي يعد كارثة حقيقية تهدد هويتها فالأكاديمية التي تعتمد على تاريخها العريق وموقعها الاستراتيجي باتت في وضع حرج
كما أكدت الكلية أن هذا القرار لا يهدد فقط وجودها بل يؤدي إلى فقدان المنح التمويلية من الفنادق الكبرى وشركات الطيران التي تعتمد على سمعتها ووجودها في هذا المكان هذا ما أشارت إليه شيماء عبد التواب أستاذة التاريخ في الكلية التي أكدت أن هذه التحولات ستضع الطلاب في مواقف غير مأمونة العواقب
بدورهم عبر طلاب الكلية عن غضبهم وسخطهم من القرار من خلال تدشين حملات إلكترونية تحت شعارات مثل تجديد حق انتفاع كلية السياحة والفنادق ولا لنقل سياحة وفنادق معتبرين أن هذا الإجراء سيكون له تأثيرات سلبية على مسيرتهم التعليمية مستنكرين غياب الحوار والتشاور قبل اتخاذ مثل هذه القرارات الجريئة التي قد تقضي على أحلامهم وطموحاتهم
على صعيد آخر هناك تساؤلات ملحة حول ملكية هذه الأراضي التي يسعى الجيش للاستحواذ عليها فالأراضي المستهدفة مملوكة ملكية خاصة للدولة وليس للجيش
في الوقت الذي أكد فيه هاني سويلم وزير الري في سبتمبر الماضي على استمرار إصدار التراخيص اللازمة لأراضي طرح النهر فكيف تتناقض القرارات الحكومية بين الجهات المسؤولة وتخلق حالة من عدم الثقة بين الدولة والمواطنين
الأحداث المتسارعة لا تتوقف عند هذا الحد فالجهاز المركزي لمشروعات أراضي القوات المسلحة أعلن في مارس من العام الماضي عن طرح قطع أراضي على ضفاف النيل لاستغلالها في أنشطة سياحية
وفي خطوة غير مفهومة قام الجهاز بطرح قطع أراضي مميزة للمزاد العلني قبل ذلك التاريخ بثلاثة أشهر كل هذه الإجراءات تشير إلى أن هناك نوايا مبيتة للاستحواذ على هذه الأراضي تحت ذرائع مختلفة وبأساليب تتجاوز حقوق المدنيين
وأخيرا هناك تصريح مثير للسفير نادر سعد المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء الذي أعلن عن طرح عدد من الأصول المطلة على نهر النيل والتي تم نقل عدد منها إلى صندوق مصر السيادي هذا التحول في إدارة الأصول الحكومية يثير الكثير من علامات الاستفهام حول كيفية إدارة الدولة لممتلكاتها وحقوق المواطنين الذين قد يتعرضون للظلم في ظل هذه التوجهات الحكومية
إن ما يحدث هو بمثابة جرس إنذار لكل من يهمه الأمر من خطر كبير يهدد الهوية الوطنية ويقضي على قيمة التاريخ والتراث في ظل غياب تام للشفافية والمساءلة لذا فإن الشعب المصري أمام تحدٍ كبير يتطلب منهم اتخاذ موقف صارم تجاه هذا التوجه الغامض الذي يهدف إلى تهميش دور المؤسسات المدنية وزيادة هيمنة الجهات العسكرية على جميع جوانب الحياة المدنية في البلاد
لقد حان الوقت ليتوحد الجميع من أجل الدفاع عن حقوقهم وحماية ممتلكاتهم وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة فالوطن يتسع للجميع ويجب أن تبقى يد الحكومة بعيدة عن التلاعب بمصائر الناس وأحلامهم فعليها أن تتعلم من التاريخ وأن تحترم حقوق المواطنين وألا تغفل عن أن مصر لن تتقدم إلا بجهود أبنائها المخلصين الذين يحملون أحلامهم وآمالهم في بناء وطن قوي وعادل.