يشهد المشهد السياسي المصري حالة غير مسبوقة من الانكماش والتراجع في دور المعارضة، حيث تسود حالة من الصمت الطوعي بين القوى السياسية المختلفة.
هذا الوضع، الذي قد يبدو للبعض مريحاً في الوقت الراهن، يحمل في طياته مخاطر جمة على مستقبل الحياة السياسية في مصر.
تتجلى معالم هذا الانكماش في عدة مظاهر رئيسية، أولها القيود القانونية والأمنية المتزايدة على العمل السياسي، والتي أدت إلى تقليص مساحة العمل العام وإضعاف قدرة الأحزاب على ممارسة دورها الطبيعي في المجتمع.
هذه القيود، التي تشمل قوانين التظاهر والتجمعات والرقابة على وسائل التواصل، خلقت حالة من التردد والخوف لدى الناشطين السياسيين.
أما المظهر الثاني فيتمثل في حالة التشرذم والضعف التنظيمي التي تعاني منها المعارضة. فغياب التنسيق بين القوى السياسية المختلفة، وعدم وجود رؤية موحدة أو استراتيجية واضحة للعمل السياسي، أدى إلى إضعاف تأثيرها وقدرتها على حشد الدعم الشعبي.
ويأتي غياب المنصات الإعلامية المستقلة كعامل ثالث في تعميق هذه الأزمة.
فمع سيطرة الدولة على معظم وسائل الإعلام التقليدية، وصعوبة إنشاء منابر إعلامية جديدة، أصبح من الصعب على المعارضة إيصال صوتها للجمهور أو طرح رؤاها البديلة.
ونتيجة لهذه العوامل مجتمعة، شهد الواقع تراجعاً ملحوظاً في الدعم الشعبي للمعارضة. فانشغال المواطنين بهمومهم المعيشية اليومية، مع حالة الإحباط العام من إمكانية التغيير، أدى إلى عزوف شعبي عن المشاركة السياسية.
لكن المخاطر الحقيقية لهذا الوضع تتجاوز اللحظة الراهنة. فاستمرار هذا الصمت الطوعي يهدد بإفراغ الحياة السياسية من مضمونها، وتحويلها إلى مجرد واجهة شكلية.
كما أن غياب المعارضة الفاعلة يحرم النظام السياسي من آليات التصحيح الذاتي والتطوير المستمر، ويضعف قدرته على مواجهة التحديات المستقبلية.
إن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى:
– تراكم المشكلات السياسية والاجتماعية دون معالجة حقيقية
– ضعف قدرة المجتمع على إنتاج قيادات سياسية جديدة
– تآكل ثقافة الحوار والتعددية السياسية
– زيادة الفجوة بين النظام السياسي والمجتمع
– تهديد الاستقرار الاجتماعي على المدى البعيد
إن الخروج من هذه الحالة يتطلب مراجعة شاملة من جميع الأطراف. فالمطلوب ليس فقط إعادة النظر في القيود القانونية والأمنية، بل أيضاً تطوير آليات جديدة للحوار السياسي، وإعادة بناء الثقة بين مختلف مكونات المجتمع.
فمستقبل مصر السياسي يعتمد على قدرتنا على خلق مساحة آمنة للتعددية والحوار، تضمن مشاركة جميع القوى السياسية في صناعة القرار الوطني.
اللهم قد بلغت
اللهم فاشهد.