مقالات ورأى

طارق العوضي يكتب: العلاقة بين السلطة والمعارضة في مصر.. أزمات وآمال محطمة

تمثل السنوات العشر الأخيرة في مصر مرحلة فارقة في تاريخ العلاقة بين السلطة والمعارضة، حيث شهدت تحولات جذرية وتغيرات عميقة في المشهد السياسي. فبعد موجة من الآمال والتطلعات، واجهت المعارضة المصرية تحديات غير مسبوقة، وتقلص هامش العمل السياسي بشكل دراماتيكي.

أزمة سجناء الرأي: جرح غائر في جسد المجتمع

مثل قضية سجناء الرأي جرحاً عميقاً في العلاقة بين السلطة والمعارضة. فخلال السنوات الأخيرة، تزايدت أعداد المعتقلين على خلفية مواقفهم السياسية وآرائهم المعارضة. صحفيون، ونشطاء سياسيون، ومدونون، وأكاديميون، وحقوقيون – جميعهم وجدوا أنفسهم خلف القضبان لمجرد التعبير عن آرائهم أو ممارسة حقهم في النقد السياسي السلمي.

كما تتجاوز تأثيرات هذه الأزمة الأفراد المعتقلين لتطال المجتمع بأكمله.

فقد خلقت حالة من الخوف والتردد لدى النشطاء والمعارضين، وأدت إلى تراجع العمل السياسي والحقوقي. كما أثرت سلباً على صورة مصر دولياً، وأصبحت نقطة خلاف رئيسية في علاقاتها مع المجتمع الدولي.

هذا وقد تحول الحبس الاحتياطي من إجراء قانوني احترازي إلى أداة لتقييد الحريات السياسية. فالتجديد المستمر لفترات الحبس الاحتياطي، والذي قد يمتد لسنوات، أصبح نمطاً متكرراً في التعامل مع المعارضين السياسيين، مما يشكل انتهاكاً صارخاً لمبادئ العدالة.

غلق المجال العام تماما

تحول المشهد السياسي المصري من حالة الانفتاح النسبي إلى حالة من الانغلاق التدريجي.

فقد تراجعت مساحات التعبير عن الرأي، وأُغلقت منابر إعلامية مستقلة، وتقلصت فرص العمل السياسي المنظم. وباتت المعارضة تواجه تحديات وجودية تتعلق بقدرتها على الاستمرار والتأثير في المشهد العام.

وفرضت السلطة قيوداً متزايدة على العمل السياسي من خلال حزمة من القوانين والتشريعات. فقانون التظاهر، وقانون الجمعيات الأهلية، وقانون مكافحة الإرهاب، شكلت جميعها أدوات قانونية للحد من النشاط السياسي المعارض. وأصبح العمل السياسي المستقل محفوفاً بمخاطر قانونية وأمنية غير مسبوقة.

وظهرت ظاهرة “التدوير” كأزمة جديدة في ملف السجناء السياسيين، حيث يتم إعادة حبس من يُخلى سبيلهم على ذمة قضايا جديدة، مما يجعل الخروج من دائرة الحبس أمراً شبه مستحيل. هذه الممارسة عمقت الفجوة بين السلطة والمعارضة وقوضت أي محاولات لبناء الثقة.

وتعرضت القوى المعارضة لعملية تفكيك ممنهجة عبر آليات متعددة. فمن الملاحقات القضائية إلى الضغوط الأمنية، ومن التشويه الإعلامي إلى الحصار المالي، وواجهت المعارضة حملة شاملة أضعفت قدرتها على العمل المنظم.

كما غاب الحوار الحقيقي بين السلطة والمعارضة، واستُبدل بحوارات شكلية لا تمس جوهر الأزمة السياسية. وأصبح ملف سجناء الرأي عقبة رئيسية أمام أي محاولة للحوار الجاد، إذ يصعب الحديث عن حوار حقيقي في ظل استمرار الاعتقالات السياسية.

وتحول الإعلام إلى أداة لتشويه المعارضين وسجناء الرأي، حيث يتم تصويرهم كخونة أو عملاء أو مخربين. هذا التشويه الممنهج عمق الشرخ المجتمعي وزاد من صعوبة بناء جسور الثقة.

( المستقبل المجهول)

يظل مستقبل العلاقة بين السلطة والمعارضة في مصر رهيناً بحل أزمة سجناء الرأي. فبدون إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووقف سياسة الاعتقال على خلفية الرأي، يصعب الحديث عن أي إصلاح سياسي حقيقي.

حيث تمثل أزمة سجناء الرأي محوراً رئيسياً في أزمة العلاقة بين السلطة والمعارضة في مصر. فهي ليست مجرد قضية حقوقية، بل هي تعبير عن أزمة سياسية عميقة تتعلق بطبيعة النظام السياسي وقدرته على قبول الاختلاف والتعددية. وبدون معالجة جذرية لهذه الأزمة، ستظل العلاقة بين السلطة والمعارضة محكومة بدوامة فقدان الثقة والسجن والمواجهة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى