مقالات ورأى

د.محمد عماد صابر يكتب: العهد الديمقراطي العربي

شاركت المؤتمر الدولي- العهد الديمقراطى العربي خارطة طريق للديمقراطية العربية- والذى انعقد فى مدينة سراييفو (جمهورية البوسنة والهرسك) يومي 19 – 20 من شهر أكتوبر 2024.
شهد المؤتمر حضورًا مشرفًا من كافة البلدان العربية، وتخلف عن حضور المؤتمر الأشقاء من السودان لظروف خاصة.
استهلّ رئيس المؤتمر الدكتور محمد المنصف المرزوقي حديثه بقوله: “نحن نعيش تحت السقف وإخواننا فى غزة يعيشون فى العراء وتحت الأنقاض ويموتون من العطش”،
وتحدث نائبا الرئيس الدكتور أيمن نور عن الأنظمة التى تهاب الحوار وتمنع حرية الرأى والتعبير وتبادل الأفكار وتعميق المفاهيم محتجًا ورافضًا لهذا السلوك المشين، وتحدثت الاستاذة توكل كرمان عن معايير الديمقراطية الحقيقية المنشودة والتى يتطلع اليها شعوب العالم العربي. بعدها ناقش المؤتمر فى جلساته الخمس التحديات التى تواجه الديمقراطية فى العالم العربي فى ظل التسلط الداخلى والعدوان الخارجى ووضع الديمقراطية فى العالم عمومًا- التحديات والأفاق- وإعادة تعريف الديمقراطية فى العالم العربي من اجل مشروع تحررى كامل. وفى نهاية المؤتمر صدرت وثيقة العهد الديمقراطى العربي، كان لى شرف التوقيع عليها بقناعة تامة، وإن كان لى بعض الملاحظات الطفيفة التى لاتقلل أبدًا من الوثيقة كميثاق يجب العناية به والعمل على تنفيذ ماورد فيه.
من هذه الملاحظات كنت أرى أن يصدر الميثاق في بنود مختصرة واضحة المعالم من خمس إلي سبع نقاط على الأكثر حتى يحفظها الكبير والصغير والسياسى وغير السياسي والمثقف والأمي، وتكون في متناول فهم الجميع.. وبعد إعداد هذا الميثاق المختصر يتم تسويقه إعلاميًا وشعبيًا وسياسيًا في أنحاء العالم العربي، ومن ثم يبدأ التفكير في إجراءات عملية للتنفيذ- وكلى ثقة- إن امانة المجلس الاستاذ عماد الدائمى وزملائه ستعمل على ذلك بكل صدق واخلاص.

“وثيقة العهد الديمقراطى العربي ومفهوم الشورى”
قصة الفصل بين قيم الديمقراطية الفكرية والمؤسسات في الغرب هي قصة قديمة والحقيقة التاريخية تقول: إن قيم الديمقراطية يتم صناعتها في خارج العالم العربي على مقاس الطموحات الاستعمارية ونهب ثروات الشعوب هذه حقيقة تاريخية قديمة، والأمر الثاني أنه برغم جريمة الإبادة الجماعية التى تدور على أرض فلسطين منذ مائة عام والتى هي صناعة غربية بامتياز ومشاهد القتل المروعة التى تحدث منذ عام فإن معظم المؤسسات الديمقراطية الحاكمة في الغرب، وأعنى بذلك الأحزاب والنخب السياسية والإعلامية تقف موقف المؤيد بشكل كامل لإسرائيل حتى الآن، وذلك لسبب بسيط؛ وهو أن العالم وخاصة الغرب لا يخضع في الحقيقة منذ فجر التاريخ لفكرة تحقيق العدالة، بل التاريخ الإنساني يسير وفق قانون المصلحة والهيمنة الاستعمارية التى تحقق الثروة والرفاهية لمن يملك القوة.
وهنا جاءت الوثيقة فى بندها الرابع لتؤكد على أننا نجدّد قناعتنا بأن الخط الفاصل في النضال السياسي اليوم لم يعد يمرّ بين قومي وانفصالي، أو تقدّمي ورجعي، أو إسلامي وعلماني، وإنّما بين الديمقراطي والاستبدادي. فالاستبداد يجمع كل الآفات التي نتصدى لها: التبعية، والفساد، والانعزالية، ومواجهة قيمنا العربية والإسلامية. فبالمقابل، يمثل مشروعنا الديمقراطي تحديثًا لمطالبنا الأزلية في الحرية، والعدالة، والاستقلال، وهو إعادة صلة واستئناف بأدوات العصر للخيار السياسي الأول لأمتنا، أي الشورى، التي لم تستمر لافتقارها إلى الأليات والمؤسسات التي نجح الغرب في تطويرها لتحقيق توجه مماثل.
لذلك ندعو إلى تجاوز الانقسامات الأيديولوجية القديمة وتوحيد الجهود بين علمانيين وإسلاميين، ووطنيين وعروبيين، وتقدميين واشتراكيين، فإطار العهد الديمقراطي العربي يحقق أهدافًا لا غنى عنها إن أردنا بناء فضاء سياسي تعددي سليم وخلاق، يعزز تحقيق أحلامنا المشتركة ويدفع نحو مستقبل أفضل. في نفس الوقت تناولت الوثيقه فى بندها الخامس النموذج الغربي والديمقراطية المزيفة والفجوه الموجودة بين القيم والاجراءات وهذا يبين تفريغ الديمقراطية من مضمونها.

“الديمقراطية وحرية العمل السياسي للجميع دون فصل أو إقصاء”، فهناك إشكالية حقيقية في عالمنا العربي وهي من مورثات الاستعمار وهذه الإشكالية هي رفض الإسلام من قبل التيارات السياسية العلمانية، والإسلام هو هوية الأمة الثقافية شئنا ام أبينا فلا يمكن أن تمحو أكثر من 1400 سنة من تاريخ أمة من الأمم ثم تمضى، ومن خلال هذا الرفض فقد صنعت تلك التيارات التى تدعو للديمقراطية حاجزًا ضخمًا وسدًا منيعًا بينها وبين الشعوب، والأمر الثاني هو عداء التيارات السياسية الليبرالية في معظمها للحركة الإسلامية، وهذا فرع من المشكلة الأولي والذى يجعل الكثير من الليبراليين يصمتون عن المذابح المهولة والاضطهاد الشامل الذى يتعرض له أبناء الحركة الإسلامية بل والأدهى من ذلك أن نجد هؤلاء الليبراليون يدعون بشكل مستمر لاعتزال الحركة الإسلامية للعمل السياسى والتسويق لفكرة أن وجود الإسلامي في الساحة السياسية هو أحد أسباب غياب الديمقراطية وهذا يتناقض مع الدعوة للديمقراطية ويفقد دعاة الديمقراطية الليبراليين مصداقياتهم عند رجل الشارع وهنا نجد الليبرالي الديمقراطي مصطفًا بامتياز مع الانظمة الاستبدادية.
والأمر الثالث هو تعاون معظم النخب السياسية العلمانية في عالمنا العربي مع أنظمة الاستبداد وتبوأ البعض منهم لمناصب تنفيذية في أجهزة الدولة الاستبدادية لفترات ليست قليلة، الأمر الذى يجعل حديث البعض عن الديمقراطية بعد ذلك لونا من العبث فكيف تساهم كديمقراطي في انقلاب عسكرى ضد حكم مدني، ثم تخرج بعد ذلك تدعو لحكم ديمقراطي وتتحدث عن الإرادة الشعبية .. هذه تساؤلات جادة طرحتها الأوراق وأجابت الوثيقة عنها بشكل قوى وواضح، ولذلك؛ أثمن الوثيقة في بندها الثالث الذى أكد على الديمقراطية التي تحرص على المساواه وتكافؤ الفرص بين جميع مكونات المجتمع رجالا ونساء من مختلف الاجناس والطوائف، دون اي شكل من اشكال التمييز، تلك هي الديمقراطيه التي ننشدها والتي اقرت على ان حريه العمل السياسي والتنافس على السلطه حق دستوري قانوني سلمي حق للجميع دون تجنب الاقصاء والحذف لأي أحد.
وفي بندها الرابع نصت الوثيقة بوضوح وحسمت قرارها “القرار الحقيقي في النضال السياسي هو بين الديمقراطيين والاستبداديين ولم يكن ابدا بين التقدميين والرجعيين او الاسلاميين والعلمانيين او القوميين والوطنيين فالاستبداد يجسد كل الافات التي تحاربها التبعيه والفساد والانعزاليه ومواجهه قيمنا العربية والإسلامية، فالاستبداد استأصل هؤلاء جميعا وجمعهم خلف الجدران في السجون والمعتقلات .

التموضع الإستراتيجى لديمقراطية العهد الديمقراطى العربي
اكدت الوثيقه فى بندها السادس على ضرورة تحقيق نموذج ديمقراطي ناجز فعال يتجاوز الشكليات ويواجه التحديات ويقاوم الاستبداد وبينت بوضوح تام ان هذا النموذج لا يتحقق إلا بالنضال والكفاح والصمود والثبات وليس الاستسلام والإحباط ورفع الراية البيضاء، وجاء البند سابعا متمما رافعا راية العهد عاقدا العزم على النضال من اجل تحقيق ديمقراطيه عربيه وطنيه سياديه اتحاديه اجتماعيه شعارها “نحن من سنربح الحرب “.

الديمقراطية والقضية الفلسطينية
تناولت الوثيقة البند ثالثا اهداف الديمقراطيه واشارت في الفقره ( ج ) منها؛ اننا أمة عظيمة، فخورة بتاريخها وهويتها وحضارتها العريقة ومساهمتها فى تاريخ البشرية. لكننا اليوم نشهد حالة عجز تام من التنكيل بالشعب الفلسطينى “أشجع شعوبنا” نتيجة تفرق الأمة إلى اثنتين وعشرين دولة ضعيفة، تابعة، ومتناحرة، عاجزة عن التعاون حتى في أبسط المجالات، فما بالك بتشكيل وحدة صماء تستطيع حماية الأمن القومي للأمة لشعب من شعوبها. هذا العجز سببه طبيعة الأنظمة الاستبدادية التي لاتتحد فيما بينها أبدا، بل تتنازع، حيث يسعى كل دكتاتور أن يكون المالك الوحيد لمزرعته أو ملك الملوك، وهو ما لا يقبله له أبدا المستبدون المنافسون. لهذا نرى أن الديمقراطية هي السبيل الوحيد لذلك- تجربة الاتحاد الأوربي نموذجا- لبناء اتحاد الشعوب العربية الحرة والدول المستقلة القادرة وحدها على الدفاع عن مصالحنا وحقوقنا المشروعة.
كان يجب أن تزيل الوثيقة ببند خاص بالقضية الفلسطينية خاصة وقد تفضل السيد الرئيس المرزوقى بتتظيم جلسة خاصة بها ناقشت “كيف يمكن البحث عن وسائل ديمقراطية فعالة لدعم الحقوق الفلسطينية وانهاء الاحتلال كجزء من مسار تحرري شامل فى المنطقة العربية.
وحيث ان القضية الفلسطينية تمثل محورًا مركزيًا في وجدان الأمتين العربية والإسلامية، فهذا دعاها إلى مراجعة جادة ووقفة صادقة مع النفس، فالأحداث المتسارعة كشفت عن الحاجة لإعادة النظر في أدائنا تجاه هذه القضية الكبرى: ماذا قدمنا؟، وماذا كان علينا أن نقدم؟، وكيف يمكننا استدراك ما فات لنواجه المشروع الصهيوني بفعالية؟. ولقد كشف “طوفان الأقصى” أن هناك تباطؤًا في استكمال مشروع التحرر الشامل فى المنطقة العربية وتبين مواطن القصور فى محاور متعددة منها:
المحور الثقافي والمعرفي؛ ضعف في فهم طبيعة الصراع مع الاحتلال الصهيوني، المناهج التربوية تخلو من العناصر الشرعية والسياسية والتاريخية المتعلقة بالقضية.
المحور التأهيلي والمهاري، غياب خطط متكاملة لتأهيل الكوادر في مختلف التخصصات لقيادة الأمة.
المحور المؤسسي، ضعف في بناء مؤسسات تربوية وتعليمية وثقافية وخدمية في العالمين العربي والغربي لدعم القضية.
المحور المالي غياب مؤسسية التمويل مما يجعل الدعم مرهونًا بالظروف بدلاً من أن يكون جزءًا من استراتيجية مستدامة.
المحور التربوي، الحاجة إلى ترسيخ مفهوم المقاومة والجهاد وأنه ضرورى لبقاء أمة الإسلام أمة قوية مرهوبة الجانب بعيدة عن اطماع الطامعين من المعتدين والمتصهينين، وان ترك الجهاد سبب للمذلة والهوان وضياع الديار وتسلط الأعداء على المقدسات والأوطان.
المحور التقني، الحاجة إلى استثمار التقنيات الحديثة في مواجهة المشروع الصهيوني، خاصة في الحرب السيبرانية، حيث يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا كبيرًا في الصراعات المعاصرة.
والمحور الاستراتيجي، غياب خطة واضحة وشاملة تحقق تكامل المحاور جميعها في مشروع نهضة متكامل.
وتوصلت الجلسة انه لا يمكن الاكتفاء بالبكاء على ما فات، بل يجب الشروع في وضع خطة فاعلة لتحقيق “تفعيل وتعزيز الوعي بطبيعة الصراع وأهداف التحرير، وهنا وقف الرئيس الإنسان “المنصف المرزوقى ” بنفسه طالبا من الجلسة اعداد واعتماد روجتة كاملة: “مأسسة الدعم المالي لضمان استمرارية التمويل لكل محاور المقاومة، بناء مؤسسات فاعلة تتواصل وتتفاعل مع المؤسسات العالمية لخدمة القضية، التركيز على التقنيات الحديثة بهدف دعم جهود المقاومة في الحرب السيبرانية، وإعادة تأهيل الصفوف وفق رؤية متكاملة تشمل قوة العقيدة والرابطة والسلاح”.
ان طوفان الأقصى فرصة لإعادة توجيه البوصلة نحو مشروع نهضة شامل، نواجه فيه المشروع الصهيوني بوعي واستراتيجية، لنحقق الحرية لفلسطين ونهضة الأمتين العربية والإسلامية.

فى الختام: نؤكد على أن الديمقراطية ليست ضد هوية الأمة وثقافتها وشريعتها الإسلامية بل إنها تعبير حقيقي معاصر عن حقيقة جوهر النظام السياسي في الإسلام الذى يحترم إرادة الشعب وحقه في اختيار حاكمه ومحاسبته كما أن شريعتنا الإسلامية الغراء تحترم التنوع والخلاف في الرأي ولا تضطهد الاقليات ولا تمارس معهم سياسات الابادة والتطهير العرقي ولهذا عاشت أمتنا العربية الإسلامية على مدار قرون وامتزجت في حضارتها كل الديانات والاعراق في تعايش وتناغم فريد أخرج للعالم منتجا حضاريا لم تر الدنيا له مثيلا.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى