تواجه الحكومة المصرية تحديًا صعبًا يتطلب إعادة النظر في نظام الدعم الحالي المتمثل في توزيع السلع التموينية.
الدعم الذي طالما اعتُبر حصنًا يحمي المواطن من غول الأسعار أصبح اليوم محل نقاشات ساخنة، فهل آن الأوان للتحول من الدعم العيني إلى النقدي؟ تساؤلات عديدة تعكس القلق والخوف من هذه الخطوة، خصوصًا أن 64 مليون مواطن يعتمدون على 23 مليون بطاقة تموين.
تقديرات تشير إلى أن فاتورة الدعم في موازنة عام 2024 تصل إلى 636 مليار جنيه. منها 237 مليار جنيه مخصصة لدعم الخبز.
هذا الدعم الضخم بات يمثل عبئًا كبيرًا على الموازنة العامة للدولة، وسط ارتفاع الأسعار المستمر وارتفاع معدلات التضخم. التوجه نحو الدعم النقدي قد يكون خطوة جذرية لتقليل هذه الأعباء وضمان وصول الدعم لمستحقيه.
ومع ذلك، فإن حديث المسؤولين عن تحويل الدعم إلى نقدي يثير مخاوف واسعة. فقد عُبر العديد من المواطنين عن قلقهم من أن هذا التحول سيؤدي إلى «خراب البيوت»، خاصة مع تراجع قيمة الجنيه وارتفاع الأسعار المتواصل. بعض الخبراء أشادوا بهذا الاتجاه، معتبرين أنه سيعزز الشفافية ويقلل من الفساد الذي يحيط بنظام الدعم العيني.
في ظل هذه الظروف، تسعى الحكومة لتجديد الحوار حول الدعم. الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، أشار إلى أن الحكومة ستبدأ في دراسة التحول من دعم السلع الأساسية إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة مع بداية العام المالي 2025. يأتي ذلك في إطار حوار وطني يهدف لتوافق الآراء حول آليات دعم فعالة.
وقد أثار الحوار الوطني الذي بدأ في أغسطس الماضي العديد من النقاشات حول هذا الموضوع الحساس. ويُفترض أن تشمل المناقشات مجموعة من المحاور الفرعية والمشاريع الطموحة.
عملية الحوار تُعتبر فرصة للتعبير عن مختلف الآراء والتوجهات، من أجل الخروج بتوصيات من شأنها تحسين وضع المواطنين.
ومع انطلاق الحوار، دعا عدد من الخبراء إلى ضرورة وجود قاعدة بيانات دقيقة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه. هذا الأمر يعد أمرًا جوهريًا في نظام الدعم النقدي المقترح. وقد اقترح البعض أن يتم ربط قيمة الدعم بمعدل التضخم لضمان فعالية النظام الجديد.
النقاش حول الدعم النقدي أثار استجابات متباينة بين الخبراء. الدكتور أيمن محسب، مقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطني، أكد أن التحول للدعم النقدي قد يُحدث فارقًا كبيرًا في حياة الأسر الأكثر احتياجًا. هذه المنظومة ستسمح بتخصيص المساعدات بشكل أكثر كفاءة وتوزيع الدعم بما يتناسب مع احتياجات المواطنين.
بدوره، أشار الدكتور كريم العمدة إلى أن الدعم العيني أصبح عتيقًا وأن الاتجاه نحو الدعم النقدي هو السبيل الأمثل لتحديث النظام. فقد أكد على ضرورة تحسين كفاءة الإنفاق وتقليل الفساد المرتبط بالدعم العيني.
وقد أعرب عن اعتقاده بأن الدعم النقدي سيعطي الأسر حرية اختيار السلع التي تحتاجها، بدلًا من قيود الدعم العيني.
في سياق متصل، أكد الدكتور سمير صبري، مقرر لجنة الاستثمار، أن التحول للدعم النقدي سيمكن الحكومة من تحديد الأسر الأكثر احتياجًا بوضوح أكبر.
فالكثير من حاملي بطاقات التموين لا يستحقون الدعم، مما يستدعي عملية «غربلة» للتأكد من وصول الدعم لمستحقيه.
وبشأن آلية تنفيذ الدعم النقدي، أوضح صبري أن العملية ستتم عبر فتح حسابات بنكية للأسر التي لا تمتلك حسابات بالفعل.
هذا الإجراء يهدف إلى تعزيز الشفافية وضمان وصول الدعم للأسر المحتاجة فقط، كما أن دعم الكهرباء والمواد البترولية سيظل على حاله وفقًا لمعدلات السوق.
الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي، لفت إلى أن الدعم النقدي، رغم فوائده العديدة، يحتاج إلى آليات واضحة لضمان تنفيذه بنجاح.
أي إخفاق في التطبيق قد يؤدي إلى نتائج سلبية على الفئات الأكثر ضعفًا. ووفقًا له، يجب معالجة التضخم ومراقبة الأسعار قبل أي خطوات فعلية.
من جانب آخر، الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أشار إلى أن الدعم النقدي يوفر مزيدًا من الشفافية.
فالدعم الخاص بالخبز يصل حاليًا إلى حوالي 98 مليار جنيه سنويًا. التحول للدعم النقدي سيمكن كل فرد من الحصول على دعم يقدر بـ 200 جنيه شهريًا، وهو ما يُحسن من نوعية الحياة للمواطنين.
الدكتور شريف فاروق، وزير التموين، حذر من أن الانتقال للدعم النقدي ليس خيارًا نهائيًا، بل لا يزال قيد الدراسة.
الحكومة ملتزمة بضبط الأسعار وتلبية احتياجات المواطنين، وفي الوقت نفسه، تسعى لمناقشة كل الاقتراحات من أجل اتخاذ قرار مناسب.
تبقى قضية الدعم في مصر معقدة وشائكة، والتحول إلى نظام نقدي يستدعي تفكيرًا عميقًا ومناقشات جادة بين جميع الأطراف. من الضروري العمل على توفير الحماية اللازمة للفئات الضعيفة مع ضمان وصول الدعم لمستحقيه بطريقة فعالة.