تقاريرذاكرة التاريخ

عظمة التاريخ الملكي المصري وذكريات مجانية التعليم

يجب علينا أن نتوقف ونراجع ما قدمه التاريخ بشأن التعليم المصري، وخصوصًا خلال العصور الملكية العظيمة التي سبقت التغييرات الجذرية.

وفي تلك الأوقات، كان التعليم المجاني جوهرًا حقيقيًا لكل المصريين، حتى قبل التعديلات السياسية التي ظهرت بعد عام 1950.

الأطفال آنذاك حظوا بفرص تعليمية متساوية، بلا أي تمييز أو تفرقة، مما يجعل تلك الفترة واحدة من أروع الفصول في تاريخ التعليم.

العصر الملكي لم يكن فقط علامة فارقة بل كان هو المؤسس لفكرة التعليم المجاني الذي استهدف جميع فئات المجتمع من خلال برامج مدروسة كانت تستهدف تلاميذ المرحلة الابتدائية في ذلك الوقت حيث استمرت تلك الفكرة لتزدهر وتؤتي ثمارها مع مرور السنوات، كما كانت هناك سبل الدعم المتعددة من الدولة التي وفرت كل مستلزمات التعليم.

يمكننا أن نستذكر الجهود الجبارة التي بذلتها المملكة المصرية لدعم التعليم حيث قدمت الكتب والمستلزمات المدرسية الأساسية للطلاب من أدوات مكتبية متنوعة مثل الأقلام والمسطرة وأدوات الرسم الأخرى وهذا ليس فقط من باب الواجب بل كان من رؤية بعيدة الأمد لنشر العلم والمعرفة في أرجاء البلاد.

لا يمكن تجاهل الجانب الغذائي من هذه المسيرة التعليمية حيث كان يتم توفير وجبات غذائية ساخنة للطلاب أثناء اليوم الدراسي مما ساهم في تعزيز صحتهم وتركيزهم الدراسي بل كان ذلك حافزا قويا لهم للاستمرار في التعلم وتحقيق التفوق الأكاديمي في تلك الفترة الذهبية.

في المرحلة الثانوية، استمر نهج المجانية حيث قام الدكتور طه حسين الذي تولى وزارة المعارف بإحداث طفرة في التعليم الثانوي من خلال إصراره على مجانية التعليم في هذه المرحلة الحرجة حيث كانت هذه الخطوة بمثابة شعاع أمل للعديد من الأسر التي كانت تعاني من الأعباء المالية.

حدثت واقعة مشهورة حيث أدخل طه حسين اجتماعات مجلس الوزراء يحمل معه مظروفين الأول يحتوي على قرار مجاني التعليم الثانوي والثاني يحتوي على استقالته وهذا يشير إلى إيمانه القوي بأهمية التعليم ودوره في بناء الأمة وكيف كان جميع الوزراء في تلك الحكومة يدعمون هذه الفكرة.

بعد التحولات الكبرى في عام 1952، تم توسيع فكرة التعليم المجاني لتشمل التعليم الجامعي لكن الفضل الكبير يعود إلى تلك الجهود المبذولة في العصور الملكية فقد كانت المصروفات في الجامعات منخفضة للغاية وكانت تشجع الطلاب على الاستمرار في التعليم العالي دون عوائق مالية.

التغييرات التي جرت بعد العدوان الثلاثي في عام 1956 شهدت توجهات جديدة نحو تأميم التعليم واستثماره لصالح الدولة لكن لا يجب أن نغفل دور العصور السابقة في تهيئة المجتمع المصري للتعلم وقد كانت تكلفة التعليم الجامعي تتراوح حول 36 جنيها في ذلك الوقت مما جعل التعليم متاحا للجميع.

نحن نعيش في واقع قد يراه البعض بائس لكن تاريخنا يشهد على عصور رائعة كانت فيها المعرفة تحظى بالتقدير وكان التعليم حقا مقدسا للجميع لذا فإن مقارنة الماضي بالحاضر ليست مجدية بل يجب علينا أن نستفيد من التجارب السابقة ونستلهم من تلك العصور القوية.

لقد كان لدينا زمن كانت فيه مصر منارة للعلم حيث تخرج منها العديد من العقول المبدعة والتي أسهمت بشكل فعال في مختلف المجالات والأصعدة، علينا أن نعتز بماضينا ونستعيد تلك الروح الإبداعية لننهض بالتعليم مرة أخرى ونحقق نجاحات جديدة.

إننا نرى أن الفترات التي سبقت التغيرات الكبرى كانت فصولا مشرقة من تاريخ التعليم المصري وعليها نؤسس لما هو قادم فاستعادة المجانية في التعليم يجب أن يكون هدفا وطنيا لكل فئات المجتمع ولنتذكر أن تعليم الأجيال القادمة هو الاستثمار الحقيقي لمستقبل أفضل.

فنحن بحاجة إلى التأمل في هذه اللحظات التاريخية والاعتراف بالدور الهام الذي لعبته تلك العصور في بناء التعليم المجاني في مصر فهو ليس مجرد حق ولكنه واجب وطني للحفاظ على هوية الأمة ولنعمل جميعا من أجل تحقيق ذلك.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى