تقاريرذاكرة التاريخ

دير سانت كاترين أقدم دير في العالم حضارة لا تنتهي والتاريخ في قلب سيناء

يعتبر دير سانت كاترين من أقدم المعالم التاريخية في العالم يمتد تاريخه لقرون طويلة ويقع في جنوب سيناء وبالتحديد أسفل جبل كاترين بالقرب من جبل موسى.

أطلق على الدير اسم القديسة كاترين التي ولدت في الإسكندرية في أواخر القرن الثالث الميلادي.

القديسة كاترين كانت ابنة أحد حكام الإسكندرية وأعلنت اعتناقها المسيحية بينما كانت عائلتها لا تزال على دينها مما أدى إلى صراع حاد بينها وبين أسرتها.

رفضت القديسة كاترين جميع المغريات التي قدمها لها والدها لمحاولة إبعادها عن إيمانها مما أدي إلى محاولات تعذيبها القاسية.

باءت جميع محاولات إبعادها عن عقيدتها بالفشل واستمرت في الإيمان حتى تم قتلها بشكل مروع.

بعد موتها بأعجوبة نقلت الملائكة جثمانها إلى قمة جبل كاترين ليتم اكتشافه بعد خمسمائة عام ليقوم بإنشاء الدير تكريماً لذكراها.

يدعي بعض الزوار أن هناك بئر داخل الدير يقال إنها تعود إلى النبي موسى حيث يتواجد بجوارها شجرة يعتقد أنها الشجرة التي اشتعلت فيها النيران عندما كلّم الله موسى.

رغم محاولات عديدة لاستنساخ هذه الشجرة في أماكن أخرى إلا أنها فشلت ولم تنم إلا في دير سانت كاترين.

لقد جعلت هذه الأحداث العديدة من الدير مكانًا مقدسًا يزوره المسيحيون من مختلف أنحاء العالم.

تعتبر مدينة سانت كاترين مركزًا دينيًا هامًا للطوائف المسيحية حيث يأتيها الحجاج من كل حدب وصوب.

يرتاد الدير يوميًا ما يزيد عن خمسمائة سائح من جميع الجنسيات لاستكشاف هذه المعالم المقدسة بعد أن تم فتح أبواب الكنيسة الكبرى للزوار. يجذب هذا المعلم التاريخي الزوار بفضل تاريخه العريق وأهميته الدينية.

تُعرف الكنيسة الكبرى في الدير باسم كنيسة التجلي أو كنيسة القديسة كاترين وتعود جذورها إلى القرن الثالث الميلادي.

تم بناء الكنيسة في عهد إنشاء الدير وفق طراز البازليكا المعماري الأصيل. تحتوي الكنيسة على مدخل مستعرض يُسمى النارتكس بالإضافة إلى جناحين أيمن وأيسر يفصل بينهما 12 عمودًا ترمز إلى شهور السنة.

الكنيسة تضم أيضًا منطقة مخصصة تُعرف بالحجاب أو حامل الأيقونات، التي تفصل بين البهو وصحن الكنيسة.

في قلب الكنيسة يوجد الهيكل الذي يضم المذبح وحنية الكنيسة. تفتخر هذه الكنيسة بوجود أقدم حجر فسيفساء على مستوى العالم يحتوي على مشهد تجلي المسيح ومشاهد للنبيين إيليا وموسى بالإضافة إلى رفات القديسة كاترين.

تُعتبر زيارة كنيسة التجلي جزءًا أساسيًا من مسارات الحج المقدس لطائفة الروم الأرثوذكس.

يبدأ هذا الحج بزيارة جبل موسى ومن ثم النزول إلى الدير لتكون التجربة الدينية كاملة. للحجاج هذه الطائفة طقوس خاصة مرتبطة بمقدسات في مدينتي سانت كاترين وبيت لحم.

الحجاج من اليونان وروسيا وبلدان أوروبية أخرى يزورون المدينة لنفس الغرض مما يجعل هذا المكان وجهة دينية فريدة.

يتمتع الدير بموقعه الفريد حيث يقع تحت جبل سيناء في منطقة جبلية تتميز بجمال طبيعتها وجودة مناخها. تتواجد بالقرب من الدير عدة مرافق تتعلق بالراحة والمساعدة للحجاج والزوار.

يمتد سور الدير المبني من أحجار الجرانيت حول عدة مباني داخلية والتي تصل في بعض الأحيان إلى أربعة طوابق.

تم بناء الدير بشكل يشبه الحصون في العصور الوسطى حيث يبلغ ارتفاع أسواره بين 12 و15 مترًا. يُعزى بناء الدير إلى القرن الرابع الميلادي عندما أمرت الإمبراطورة هيلانة بإنشاء كنيسة عند موقع الشجرة المقدسة.

وفي القرن السادس الميلادي أمر الإمبراطور جوستنيان ببناء كنيسة جديدة على نفس الموقع. على الرغم من التغيرات التي مرّت بها الكنيسة عبر العصور إلا أن الجزء الأكبر من سقفها لا يزال محفوظًا حتى اليوم.

تتواجد بعض الكتابات القديمة التي تذكر أسماء المهندسين والمعماريين الذين ساهموا في بناء الدير.

تحتوي الكنيسة على قبة مزينة بأجمل الفسيفساء التي تُعتبر من أبرز المعالم المسيحية على مر العصور.

تمثل الفسيفساء مناظر من الكتاب المقدس مثل مشهد السيد المسيح مع العذراء وموسى. يضفي هذا التصميم الفني على الكنيسة قيمة تاريخية وثقافية عالية تجعلها واحدة من أروع الكنائس في العالم.

تحتوي الكنيسة على تابوت يحتوي على بقايا جثمان القديسة كاترين، وتحتوي على هدايا قيمة تم تقديمها من الملوك والأثرياء.

الأيقونات الجميلة التي تزين الكنيسة تمثل جزءًا هامًا من التراث الديني حيث تضم حوالي 2000 أيقونة. هذه الأيقونات تروي قصصًا تاريخية ودينية منذ القرن السادس الميلادي حتى القرن العشرين.

بجانب الكنيسة يوجد مسجد صغير بني في عصر الفاطميين تنفيذًا لرغبة الوزير أبو النصر أنوشطاقين.

يعتبر هذا المسجد جزءًا من تاريخ الدير ويعكس التعايش بين الأديان. المكتبة الشهيرة في دير سانت كاترين تعد واحدة من أهم المعالم حيث تحتوي على مخطوطات نادرة ووثائق تاريخية مهمة.

تُعتبر المكتبة من أقدم المكتبات في العالم حيث تحتوي على حوالي 6000 مخطوط بالإضافة إلى 2000 وثيقة تمثل عصورًا تاريخية متعددة. من بين الوثائق الشهيرة وثيقة تُنسب إلى النبي محمد تمنح الأمان للرهبان والدير.

تحتوي المكتبة على مجموعة نادرة من المخطوطات التي تعود إلى العصور الوسطى وتمثل ثروة ثقافية هائلة.

يُعتبر الدير معصرة لاستخراج زيت الزيتون وبئر ماء بالإضافة إلى مخزن للطعام مما يجعله مركزًا حيويًا.

تتنوع الأنشطة في المنطقة المحيطة بالدير لتشمل استكشاف الطبيعة والتاريخ والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة. السياح يمكنهم الاستمتاع بالهواء الطلق والمشي في المسارات الجبلية القريبة.

يعتبر دير سانت كاترين رمزًا للسلام الروحي والعطاء الإلهي مما يجعل الزوار يأتون من كل أنحاء العالم لتجربة هذه الروحانية. يمثل الدير ملتقى للثقافات والأديان حيث يتعانق التاريخ والدين في هذا المكان المقدس.

تظل قصة دير سانت كاترين حية على مر العصور حيث يستمر الناس في زيارة هذا المكان للتعرف على تاريخه وأهميته.

إنه يروي قصة إيمان وقداسة تفوق الحدود الزمنية والمكانية. في قلب الصحراء المصرية، يظل هذا المعلم الشامخ شاهدًا على قوة الروح الإنسانية.

المكان يجسد تاريخًا طويلًا من الجهود الإنسانية لتحقيق السلام والمودة بين الثقافات المختلفة.

يحمل الدير في طياته ذكريات عميقة تجذب الأرواح الباحثة عن معنى الحياة. يعتبر تجربة زيارة دير سانت كاترين فرصة لاستكشاف التاريخ والتواصل الروحي.

بفضل موقعه الفريد وتاريخه الغني يستمر دير سانت كاترين في جذب السياح والزوار كل عام مما يساهم في تعزيز السياحة الدينية والثقافية في مصر. إنه مكان يجمع بين جمال الطبيعة وروحانية التاريخ لتجربة لا تُنسى.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى