تقارير

الأرض تئن في مصر: بيئتنا في خطر ونحتاج لإنقاذها

تعد المحميات الطبيعية في مصر ثروة بيئية وثقافية لا تقدر بثمن تستحق أن تُسلط عليها الأضواء في ظل غياب الاهتمام الكافي بها وهذا يضعنا أمام واقع محزن نحتاج إلى مواجهته بكل جرأة.

تحتوي مصر على نحو ثلاثين محمية طبيعية تم الإعلان عنها منذ صدور القانون رقم 102 لعام 1983 الذي شهد تأسيس محمية رأس محمد، أولى المحميات الطبيعية، ثم تبعها العديد من المحميات الأخرى مثل محمية جبل كامل التي أُعلنت عام 2012.

تغطي هذه المحميات حوالي 15.5٪ من مساحة مصر وتمثل معالم حيوية تعكس تنوعًا بيولوجيًا وثقافيًا نادرًا يتجاوز الحدود الوطنية ليصل إلى مستوى عالمي.

تشتمل هذه المحميات على بيئات بحرية ورطبة وصحراوية وجيولوجية، مما يوفر نطاقًا واسعًا من الأنظمة البيئية التي يمكن استغلالها في مجالات البحث العلمي والسياحة البيئية.

هذه المواقع الطبيعية لا توفر فقط مناظر طبيعية خلابة ولكنها تعتبر كذلك مصادر غنية للموارد الاقتصادية التي يمكن أن تنعش الاقتصاد المحلي وتزيد من إيرادات الدولة.

الإمكانيات السياحية الضائعة

تحتوي المحميات المصرية على أنواع فريدة من الحياة البرية مثل عروس البحر والدلافين والتمساح النيلي والعديد من أنواع الطيور والنباتات الطبية.

لكن بالرغم من كل هذه الإمكانيات، لا يزال هناك نقص في الاستغلال الفعّال لهذه الثروات.

تعتبر المحميات البحرية والنباتية مصدرًا للزراعة والتجارة والسياحة، ولكن لا تزال هناك عوائق تحول دون تحقيق ذلك.

يدعو الخبراء إلى استغلال هذه المحميات بشكل فعّال إذ يمكن أن تُدرّ دخلًا كبيرًا للدولة، خاصةً في السياحة البيئية.

تتطلب هذه الخطوة التفكير في إدارة اقتصادية تهدف إلى جذب شريحة جديدة من السياح والزوار، سواء من المصريين أو الأجانب.

وأكدت الدكتورة صباح محمد، ناشط حقوقي ومهتم بالشأن البيئي، على أهمية تطوير الأنواع البيولوجية في المحميات لتعزيز مصادر الدخل من خلال مشاريع مثل مراكز التربية وإكثار الحيوانات المحلية.

الإهمال والتعديات

على الرغم من كل ما تمتلكه مصر من ثروات طبيعية، إلا أن العديد من هذه المحميات تعاني من الإهمال والتعديات.

المحمية التي كانت يومًا ما مصدرًا لجمال الطبيعة والتنوع البيولوجي تتعرض الآن للتهديد من التوسع العمراني والتلوث.

لم يُحسن استغلال هذه المحميات، مما يضعنا أمام حقيقة مؤلمة، وهي أن الأجيال القادمة قد لا تجد شيئًا من هذه الثروات الطبيعية التي نملكها اليوم.

لقد تعرضت محمية الغابة المتحجرة لأشكال متعددة من التعديات بعد ثورة 25 يناير، وتم نهب رمالها التي كانت تُعتبر من أفضل الأنواع.

ورغم محاولات وزارة البيئة لوضع خطة لتطوير المحميات، إلا أن الأعمال لم تُستكمل بالشكل المطلوب.

تجارب عالمية يجب أن نستلهم منها

ينبغي لمصر أن تتبنى أفكارًا مستلهمة من نجاحات دول أخرى في إدارة المحميات الطبيعية. يمكن أن تسهم هذه الأفكار في تحسين الوضع الحالي وزيادة الوعي بأهمية هذه المحميات.

من المهم أن نفكر في كيفية الترويج لهذه المواقع في السياق السياحي والتعليمي. يجب أن تكون المحميات جزءًا لا يتجزأ من البرامج الدراسية لتعريف الطلاب بأهمية التنوع البيولوجي وكيفية المحافظة عليه.

رأس محمد: جنة الغوص

تعتبر محمية رأس محمد واحدة من أروع المحميات الطبيعية في العالم، وتحظى بشهرة عالمية كموقع للغوص.

تتميز بتنوعها البيولوجي واحتوائها على العديد من الشعاب المرجانية والأسماك الملونة، مما يجعلها وجهة مثالية لعشاق البحر والغوص.

تقع المحمية في نقطة التقاء خليجي السويس والعقبة وتضم مجموعة واسعة من الحياة البحرية.

إلا أن هذه الجنة البحرية تواجه تحديات عدة تتطلب اتخاذ إجراءات سريعة لحمايتها من التلوث والتعديات.

يجب علينا كأفراد ومجتمعات أن نتحرك لحماية هذه الثروات من الضياع، فالحفاظ على رأس محمد هو الحفاظ على جزء من الهوية المصرية.

وادي الريان: مقصد الطيور المهاجرة

تُعد محمية وادي الريان وجهة مفضلة للعديد من الزوار، حيث تتميز بجمالها الطبيعي وهدوئها. تعد هذه المحمية موطنًا للعديد من الأنواع النادرة من الحيوانات والنباتات.

من بين أبرز معالمها منطقة الشلالات، التي تجذب السياح لممارستهم الرياضات البحرية. ومع ذلك، فإن وادي الريان أيضًا يواجه ضغوطًا نتيجة الإهمال والافتقار إلى الترويج السياحي المناسب.

تتطلب هذه المحميات جهودًا متواصلة لتطويرها وتعزيز الوعي بأهميتها. إن تحسين الخدمات السياحية وتعزيز التجارب داخل المحميات يمكن أن يسهم في جذب السياح وزيادة الوعي بالقضايا البيئية.

المستقبل: نحو إدارة مستدامة

لنتحدث بصراحة، إن إدارة المحميات الطبيعية تتطلب التخصص والاحترافية. لا يمكن أن تُترك هذه المهمة لمجموعة من الأشخاص غير المتخصصين في مجالاتهم.

ينبغي على المسؤولين توظيف المتخصصين في السياحة والبيئة للعمل بشكل متكامل من أجل تحقيق الأهداف المرجوة.

يجب أن نعيد النظر في كيفية إدارتنا لمواردنا الطبيعية. يمكن للمجتمع المحلي أن يكون شريكًا رئيسيًا في هذا الصدد، فمعرفة السكان المحليين يمكن أن تلعب دورًا هامًا في حماية هذه المحميات.

لنجعل من المحميات الطبيعية في مصر كنزًا مستدامًا وثروة غير مُستغلة، يتطلب ذلك تغييرًا جذريًا في سياسات الإدارة والترويج.

علينا أن نضع خططًا طموحة ترتكز على الاستدامة البيئية وتوفير فرص العمل للمجتمعات المحلية.

دعوة للعمل

ويجب أن ندرك أن المحميات الطبيعية ليست مجرد أراضٍ غير مستخدمة، بل هي ثروة حقيقية تحتاج إلى رعاية وحماية.

من خلال العمل الجماعي والتخطيط المدروس، يمكننا أن نعيد لمصر مكانتها كوجهة سياحية عالمية، حيث يُمكن لكل زائر أن يستمتع بجمال طبيعتها الفريدة.

نحتاج جميعًا إلى أن نكون جزءًا من الحل وأن نعمل معًا للحفاظ على هذه الكنوز الطبيعية للأجيال القادمة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى