فتوى السرقة تثير العاصفة: بين العقيدة والاعتقال وتحدي القانون
في مشهد درامي يحمل معه كل معاني الإثارة والجدل، تتصاعد قضية أثارت الرأي العام وأشعلت الجدل داخل الأوساط الدينية والقانونية على حد سواء.
تصدر العناوين أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، الدكتور إمام رمضان، ذلك الذي وقف في قلب عاصفة هوجاء بعد فتوى مثيرة للجدل أباح فيها ما لا يمكن تصوره؛ سرقة المياه والكهرباء والغاز،
فتوى اهتزت على وقعها الدولة، وتحركت النيابة العامة بأمر صارم لضبطه وإحضاره، واضعة اسمه في قوائم المنع من السفر وترقب الوصول لاستكمال التحقيقات.
القصة بدأت حينما وجه النائب العام المستشار محمد شوقي تعليماته بفتح تحقيق عاجل عقب انتشار مقطع مصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه الدكتور إمام رمضان وهو يفتي بجواز سرقة المياه والكهرباء والغاز.
الفتوى التي ظهرت كصدمة مدوية، لم تكن مجرد رأي شخصي عابر، بل جاءت على لسان شخصية أكاديمية ذات ثقل،
مما جعلها أكثر خطورة وتأثيرا في ظل الظروف التي يعيشها المواطن العادي والذي يواجه في الأصل تحديات معيشية واقتصادية صعبة.
وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة لم تلتزم الصمت، فقد تقدمت ببلاغ رسمي للنيابة العامة، مستشهدة بما تم تداوله من فتوى تحرض على سرقة المال العام بشكل مباشر، الأمر الذي يعصف بسلطة القانون ويفتح الباب على مصراعيه أمام الفوضى.
النيابة العامة، بدورها، لم تتردد في التحرك الفوري، حيث أمرت الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بإجراء التحريات اللازمة حول الواقعة لتقصي الحقائق وتحديد مدى تأثير هذه الفتوى على الأفراد والمجتمع.
فتوى الدكتور إمام رمضان لم تمر مرور الكرام، بل كانت بمثابة رصاصة طائشة أصابت جسد المجتمع في مقتل.
فقد دافع في مقطعه المصور عن فكرته بالاستناد إلى آيات من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى “ومن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل”،
في محاولة منه لتبرير ما اعتبره حقاً مشروعاً للمواطن الذي يشعر بالظلم. ولكن سرعان ما أدت هذه الفتوى إلى هجوم شرس من مختلف الجهات، بدءاً من المؤسسات الدينية وصولاً إلى الأجهزة الحكومية.
جامعة الأزهر لم تقف مكتوفة الأيدي، حيث سارعت باتخاذ إجراء عاجل ضد الدكتور رمضان، متمثلاً في إيقافه عن العمل لمدة ثلاثة أشهر أو حتى انتهاء التحقيقات معه.
القرار جاء على لسان رئيس الجامعة، الدكتور سلامة جمعة داود، الذي أرسل قرار الإيقاف إلى الدكتور رمضان عبر تطبيق الواتساب، في خطوة تعكس مدى الجدية التي تتعامل بها الجامعة مع هذه القضية الشائكة.
وفي تصريحات صحفية، أكد الدكتور رمضان تسلمه لقرار الإيقاف، موضحاً أن الجامعة لم تنتظر التحقيق بل سارعت في إصدار العقوبة.
وأبدى استياءه مما اعتبره حكماً مسبقاً على موقفه، قائلاً إن الإدارة وجهت له اتهاماً دون أن تتيح له الفرصة للدفاع عن نفسه أو تقديم مبرراته.
وأوضح أن الاتهام الموجه إليه يتلخص في فتواه رغم كونه ليس مخولاً بالفتوى شرعياً، وأنه قد حرض الشعب على سرقة المال العام والاعتداء على هيبة الدولة، وهو ما اعتبره تحاملاً عليه قبل أن يُتاح له حق الرد.
لكن، هنا تبدأ فصول أخرى من الدراما. الدكتور إمام رمضان لم يتراجع، بل تعهد بأنه سيتحدث بشكل أكثر تفصيلاً عما قبل الفتوى وما بعدها،
مؤكداً أن دفاعه سيكون مستنداً إلى كتاب الله وسنة رسوله، معتمداً على الفلسفة والمنطق والاستقراء، وهو ما جعله يبدو واثقاً من موقفه حتى وإن كان يعلم أن الإدانة قد تكون جاهزة قبل أن يبدأ حتى بالدفاع عن نفسه.
ومما زاد من تعقيد القضية هو تأكيده على أنه لم يتلق بعد خطاباً رسمياً حول موعد التحقيق، مشيراً إلى أن ما حدث من اتهام وعقوبة كان مساراً استباقياً غير منصف على حد تعبيره.
موقف الدكتور رمضان يعكس تحدياً غير مباشر للسلطة الدينية والقانونية في آن واحد. فهو يؤمن بأن ما قدمه من فتوى ليس مجرد رأي بل هو وجهة نظر لها أسانيدها الشرعية والفكرية، وإن كانت صادمة في مضمونها.
لكن هذا الإصرار والتحدي يجعل منه شخصية مثيرة للجدل، قد يراه البعض بطلاً في مواجهة “الظلم”، بينما يراه آخرون خطراً يهدد استقرار المجتمع والدولة، بل وربما مصدر فوضى إذا انتشرت فتواه وأصبحت مبرراً لأفعال إجرامية.
الأحداث لا تزال تتسارع، والاتهامات تتكاثر. النيابة العامة تستعد لاستكمال التحقيقات، والقضية أصبحت أكثر من مجرد فتوى عابرة.
إنها أصبحت اختباراً لمدى تأثير رجال الدين والأكاديميين في المجتمعات التي تعيش على حافة الخطر الاقتصادي والسياسي.
في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع ما ستسفر عنه التحقيقات، يبقى السؤال قائماً: هل ستنتهي هذه القصة بإدانة أكاديمية وسياسية، أم أن الدكتور إمام رمضان سيتمكن من قلب الطاولة في وجه الجميع؟