انفجرت الأوضاع في قرية مطاي بمحافظة المنيا بعد أن وصلت الأزمة بين أبناء الكنيسة والأنبا جوارجيوس، أسقف إيبارشية مطاي، إلى نقطة اللاعودة،
أزمة بدأت عندما تم إيقاف كاهنين يحظيان بمحبة كبيرة من الشعب، وهما القس أبانوب والقس أنسطاسي، دون إيضاح الأسباب التي دفعت الأسقف إلى اتخاذ هذا القرار منذ 24 مايو الماضي.
هذا القرار كان بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الانقسام، حيث توقفت الأنشطة الكنسية بشكل شبه كامل، حيث اقتصر الأمر على قداسات يومين فقط في الأسبوع، تشرف عليها بعض الكهنة الذين تم انتدابهم من الإيبارشية، مما تسبب في حالة من الفوضى والاحتقان بين أبناء الكنيسة.
التوترات بين أبناء القرية والأنبا جوارجيوس تحولت إلى صراع مرير بعد فشل كافة محاولات التفاهم والتصالح. قوبل الأسقف بالاتهامات والإهانات عبر منصات التواصل الاجتماعي، إلى جانب حدوث مشاحنات مع الكهنة المنتدبين، مما زاد من حدة المشاعر المتصاعدة.
في خضم هذه الأجواء المضطربة، قام مجمع كهنة إيبارشية مطاي بجمع توقيعات لتأييد الأنبا جوارجيوس، مؤكدين حسن إدارته وقدرته على الارتقاء بالإيبارشية، إلا أن هذا البيان جاء بنتائج عكسية، حيث زاد من الاحتقان وشق المجتمع إلى فئتين متناحرتين.
في تصعيد للأزمة، قررت عائلات معترضة من قرية كوم مطاي تنظيم رحلة إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، حيث استقلوا حافلات خاصة للتعبير عن غضبهم ومطالبتهم بعودة الكاهنين الموقوفين.
رفع المشاركون صوراً للكهنة الموقوفين أثناء ترديدهم لعبارة “كيريالايسون”، والتي تعني “يا رب ارحم”، وسط أجواء من الغضب والتوتر.
الأسر المحتشدة لم تكتفِ بالصلاة داخل إحدى كنائس الكاتدرائية، بل قاموا بتسليم شكوى جماعية إلى مكتب المقر الباباوي، تحمل مطالبهم وحلولهم المقترحة للأزمة.
وفي نص الشكوى، التي حصل عليها موقع “أخبار الغد“، تم تقديم طلبات واضحة، حيث أعرب رؤوس العائلات عن تقديرهم الكبير للقسيسين الموقوفين، مؤكدين أن هذه الأزمة قد أثرت سلباً على حياتهم الروحية، حيث أفادوا بأن نحو 95% من أبناء الشعب لم يعودوا يتناولون أو يحضرون القداسات منذ صدور قرار الإيقاف.
وأشارت الأسر إلى أنهم قد جلسوا مع الأنبا جوارجيوس وعرضوا عليه ضرورة توحيد صفوف القرية وإعادة السلام، إلا أن رفض الأسقف لهذه المبادرة كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
هذه التصريحات أكدت على عمق الخلافات وعدم وجود أية حلول جادة من جانب الأنبا جوارجيوس، مما دفع الأسر إلى تضمين مطلب الانفصال عن إيبارشية مطاي في شكواهم، ليكونوا تحت تبعية مباشرة للبابا.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل شهدت القرية توترات إضافية نتيجة للغضب المتزايد. حالة من الفوضى تعم المجتمع القبطي في مطاي،
حيث يعبر المواطنون عن استيائهم من الإهمال الذي تعرضوا له. الأرواح المحبطة تكتسب زخمها من الإحباط المستمر، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع بدلاً من تهدئتها.
هذه الأزمة تكشف عن مشاكل أعمق داخل المجتمع القبطي، حيث يبدو أن هناك انقسامات جذرية تتجاوز مجرد إيقاف كاهنين.
المواجهات الحادة والتراشق بالاتهامات تعكس أزمات أوسع تتعلق بالإدارة الروحية والقيادة، مما يؤثر بشكل مباشر على حياة الأفراد وعلاقاتهم الاجتماعية.
وليس غريبًا أن يتحول هذا الصراع إلى سلاح ذي حدين، حيث يؤثر سلباً على الوحدة والانسجام بين أبناء الكنيسة، مما يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الشعب والقيادة الكنسية.
الناس هنا لا يطالبون فقط بعودة كاهنين، بل يريدون استعادة الثقة في قيادتهم الروحية، وهو ما يتطلب إعادة تقييم شامل لأسباب ومسببات هذه الأزمة التي تشتعل يوماً بعد يوم.
إذا لم يتم التعامل مع هذه المشكلة بحكمة وشفافية، فإن الأمور قد تتجه نحو مزيد من الاحتقان والانقسام، وقد تتسبب هذه الأحداث في عواقب وخيمة على حياة أبناء القرية،
حيث تتجاوز الأزمة الحدود الدينية لتصبح صراعاً مجتمعياً عميق الجذور، يحتم على الجميع التفكير في حلول جذرية عاجلة لإنهاء هذه المأساة.
إن إرجاع الأمور إلى نصابها يحتاج إلى شجاعة حقيقية من جميع الأطراف، وخاصة من القيادة الكنسية التي يقع على عاتقها مسؤولية الحفاظ على وحدة المجتمع الروحي،
فهل ستنجح في تجاوز هذه الأزمة وتحقيق المصالحة المرجوة، أم ستستمر هذه الهوة بين الشعب والكنيسة في الاتساع، مما يجعل من الصعب العودة إلى الوراء؟
ما يحدث في مطاي هو تذكير صارخ بأن التحديات التي تواجه المجتمع القبطي ليست بسيطة، وأن الحوار والتفاهم هما السبيل الوحيد لإنهاء هذه الأزمات واستعادة السلام في النفوس قبل أن تتحول إلى صراعات لا تحمد عقباها.