تقارير

حرية التعبير في لبنان تحت التهديد المباشر

تتفاقم أزمة حرية التعبير في لبنان بشكل مقلق وتظهر الصورة الحقيقية للوضع المزري الذي يعاني منه كل من يتجرأ على انتقاد السلطة أو الفاسدين في المجتمع اللبناني.

تتجلى هذه المعاناة من خلال مجموعة من القوانين التي يستخدمها السياسيون والأقوياء في البلاد كأداة للترهيب والتخويف.

القوانين التي من المفترض أن تحمي الأفراد تحولت إلى أدوات للضغط على كل صوت معارض، مما يضع حياة الكثيرين في خطر ويعزز من ثقافة الخوف.

الواقع الحالي يوضح أن أي محاولة للتعبير عن الرأي أو انتقاد الوضع القائم قد تؤدي إلى عواقب وخيمة. في يوليو الماضي، أصدرت محكمة لبنانية حكمًا قاسيًا على صحفية، إذ قضت بحبسها لمدة عام كامل بسبب تغريدة انتقدت فيها أعضاء حزب سياسي معروف.

هذا الحكم ليس مجرد حبس لصحفية بل هو إعلان رسمي عن انعدام التسامح تجاه النقد وفتح الأبواب أمام مزيد من الاعتداءات على حرية التعبير.

تتخذ هذه الاعتداءات شكلًا ملموسًا من خلال قوانين التحقير والقدح والذم، التي تسمح بتجريم التعبير عن الآراء حتى في حال كانت هذه الآراء صحيحة.

فالقوانين المفروضة تتراوح عقوباتها بين الغرامات المالية والسجن لفترات قد تصل إلى ثلاث سنوات. وهذا يتطلب من الأفراد التفكير مرارًا قبل التعبير عن آرائهم خوفًا من أن يُنظر إليهم كخصوم للسلطة.

منذ عام 2015، شهد لبنان زيادة مقلقة في عدد الأفراد الذين تم التحقيق معهم بناءً على هذه القوانين. آلاف الأشخاص، بما في ذلك الصحفيون والنشطاء، كانوا ضحايا لاستغلال هذه القوانين.

هذه الحالات تظهر عدم احترام السلطات للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما أنها تكشف عن نية واضحة في قمع الأصوات الحرة التي تسعى إلى إحداث تغيير حقيقي في المجتمع.

إن الاستخدام التعسفي للقوانين يمكن أن يخلق مناخًا من الخوف والقلق، حيث يزداد تردد الأفراد في التعبير عن آرائهم أو الكشف عن الفساد وسوء الإدارة. وبدلاً من تشجيع النقاشات العامة والمفتوحة حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية الملحة، تحاول السلطات إغلاق كل نافذة ممكنة للانتقاد، مما يعزز من ثقافة الصمت والموافقة.

ما يزيد من حدة هذه المشكلة هو وجود مجموعة من الشخصيات النافذة من كافة المجالات – السياسية، القضائية، الدينية، والأمنية – التي تعمل بشكل منسق لحماية مصالحها الخاصة من خلال قمع أي محاولات للكشف عن فسادها.

هؤلاء الأشخاص يدركون جيدًا أن أي تسريب للمعلومات أو أي انتقاد علني قد يقوض من سلطتهم، لذا يلجؤون إلى الاستغلال المفرط للقوانين التي من المفترض أن تحمي المجتمع.

إن الضغط المتزايد على حرية التعبير لا يقتصر فقط على الأفراد، بل يؤثر أيضًا على المؤسسات الإعلامية. الكثير من وسائل الإعلام في لبنان تواجه تحديات هائلة نتيجة للخوف من التداعيات القانونية، مما يجعلها في بعض الأحيان تفضل الصمت على أن تثير غضب السلطات. هذا الأمر يتناقض مع المبادئ الأساسية للصحافة الحرة، التي يجب أن تكون قادرة على ممارسة دورها دون أي عوائق.

الأسوأ من ذلك أن المجتمع الدولي، رغم النداءات المتكررة من منظمات حقوق الإنسان، لم يتخذ خطوات فعالة للضغط على السلطات اللبنانية لإحداث تغيير حقيقي. الشجب اللفظي لا يكفي في ظل هذه الظروف القاسية. إن الوضع يتطلب تحركًا قويًا وحاسمًا من قبل المجتمع الدولي لضمان حماية حقوق الأفراد واستعادة حرية التعبير في لبنان.

كل هذه العوامل تشير إلى حالة كارثية تنذر بخطر جسيم على الحقوق الأساسية في لبنان. فاستمرار هذا الاتجاه القمعي يعني إغلاق الأبواب أمام أي فرصة للتغيير أو الإصلاح. من الضروري أن يتحد الجميع، من ناشطين وصحفيين ومواطنين، للدفاع عن حقهم في التعبير ورفض هذه الممارسات الظالمة.

لبنان بحاجة ماسة إلى تغيير جذري يعيد الاعتبار لحرية التعبير، فهذا الحق ليس مجرد رفاهية بل هو أساس الديمقراطية. مستقبل البلاد يعتمد على قدرتها على احتضان النقد واستيعاب الأفكار المختلفة، وبغير ذلك ستستمر في الغرق في مستنقع الفساد والقمع. لنقف جميعًا ضد هذه الاعتداءات ولنرفع أصواتنا من أجل لبنان حر يعبر فيه الجميع عن آرائهم دون خوف من الانتقام.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى