تقارير

طما تحتضر في انتظار مستشفى مفقود

ما يقرب من نصف مليون مواطن في طما يعانون من فاجعة مستمرة عنوانها مستشفى طما الذي يعاني من الإغلاق بحجة التطوير لأكثر من ثماني سنوات

بينما تُرك سكان المركز في ظلام الجهل الطبي ومعاناة العلاج التي لا تنتهي وقد سئم الجميع من وعود وزارة الصحة التي لم تتوقف عن تكرارها كل عام مما يجعل الوضع كابوساً يؤرق كل مريض وكل أسرة تبحث عن العلاج لأبنائها وآبائها.

بيد أن الحديث عن “التطوير” لم يكن سوى غطاءً للواقع الأليم فالمستشفى الذي كان من المفترض أن يقدم خدمات طبية متكاملة وبأسِرَة تصل إلى 148 سريراً بما فيها 22 سريراً في العناية و39 ماكينة غسيل كلوي و4 غرف عمليات،

تحول إلى مجرد أمل مفقود لأهالي طما الذين يعانون الأمرين بسبب عدم وجود أي مرفق صحي يعمل بكفاءة في منطقتهم ويضطر الكثير منهم للسفر إلى أسيوط أو سوهاج العاصمة للوصول إلى مراكز طبية توفر لهم الحد الأدنى من الرعاية الصحية وهو أمر يزيد من الأعباء على كاهل الأسر الفقيرة.

الأوضاع الصحية في طما باتت مأساة تتجلى في كل زوايا المدينة فالأقرب إلى الواقع هو أن 90% من الخدمات الصحية هناك متوقفة تماماً،

مما يعني أن أي مريض بحاجة إلى عناية طبية متخصصة يجد نفسه عالقاً بين خيارين مريرين إما الرحيل لمسافات طويلة لتلقي العلاج أو انتظار الفرج الذي لا يأتي بينما يقضي أهل طما لياليهم في القلق والخوف على حياة أحبائهم.

في تطور حديث، قرر وزير الصحة تغيير شركة المقاولات المسؤولة عن المشروع في مارس 2023 آملاً في تسريع الأعمال

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بجرأة هل ستنجح هذه الخطوة في تحريك المياه الراكدة أم ستظل الأمور على حالها دون أي تغيير يُذكر وهو ما يثير سخط أهالي المركز الذين يتساءلون بلا انقطاع عن سبب التأخير الذي طال أمده.

وفي سياق ذلك، استمرت مطالب نواب سوهاج في التحرك برلمانياً من خلال تقديم طلبات إحاطة سنوية تتعلق بالوضع الكارثي لمستشفى طما

وآخرها كان موجهًا إلى رئيس الوزراء ووزير الصحة في محاولة لإيجاد إجابات وافية تفسر لهم ما يحدث وما زالوا في انتظار الأجوبة التي لم تأت بعد.

ليس من قبيل المبالغة أن نقول إن حال مستشفى طما أصبح مثالاً للفساد الإداري والتخبط الحكومي حيث تتعطل المشاريع لسنوات دون مبرر واضح أو تفسير مقنع مما يعكس تجاهل المسئولين لمعاناة المواطنين الذين يعيشون في ظل هذا الوضع المأساوي.

الأقسام الطبية الأخرى في المستشفى والتي كان من المفترض أن تقدم خدماتها بشكل منتظم في جميع الأوقات لم تعد موجودة،

مما يجعل المرضى يعانون من نقص في العناية والرعاية الصحية الأساسية وكلما طال انتظار الأهالي كلما ازداد الخوف على أرواح أحبائهم الذين هم في أمس الحاجة إلى العلاج الفوري.

وفي خضم هذه المعاناة، يجب أن يُستحضر دور المجتمع المدني والإعلام في توصيل صوت أهالي طما إلى المسئولين والضغط من أجل إيجاد حلول جذرية وسريعة لمشكلة تتعلق بحياة آلاف المواطنين. إن هذه القضية ليست مجرد حديث عن مستشفى مفقود بل هي قضية إنسانية تستدعي الوقوف معها بكل حزم وجدية.

أكثر من 50 كيلومتراً تفصل بين طما وأسيوط لكن في عيون المرضى وكأنها مسافات شاسعة إذ إن كل لحظة تمر تعني فرصة ضائعة أو تأخير قد يُكلف حياة شخص ما. فالأمر يتجاوز مجرد المرافق الصحية إلى حق الإنسان في العلاج وفي الحصول على الخدمات الصحية بشكل عادل ودون تمييز.

لا يمكن اعتبار ما يحدث في طما سوى أزمة صحية حقيقية يجب أن تواجه بشجاعة وشفافية. فالمسئولية تقع على عاتق وزارة الصحة وكل الجهات المعنية التي ينبغي أن تتضافر جهودها لإيجاد حلول فورية لتجاوز هذا الكابوس الذي يعيشه أهالي المدينة دون انقطاع.

إن الوضع الذي يتواجد فيه مستشفى طما هو وصمة عار على جبين الجميع من مسئولين ومؤسسات وتلك الفوضى التي تُعطل أي مشروع صحي لا يمكن أن تُقبل بأي شكل من الأشكال.

يجب أن تتوقف سياسة الوعود الفارغة وأن يُترجم الكلام إلى أفعال ملموسة على الأرض، فحياة الناس لا تحتمل مزيداً من التأخير ولا يمكن أن تبقى رهينة لمشاريع ميتة على الورق.

وإن القصة ليست مجرد تقرير عن مستشفى أو تطوير معطل بل هي قصة أمل مفقود وحق مسلوب في العيش الكريم،

وما يحدث في طما هو بمثابة إنذار للجميع بأن الصحة ليست مجرد خدمة بل هي حق أساسي يجب أن يُحترم. ومن واجبنا جميعاً كأفراد ومؤسسات أن نقف وقفة رجل واحد من أجل هذه القضية وإعلاء صوت الحق في وجه الباطل.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى