مقالات ورأى

يوسف عبداللطيف يكتب: الطيبون يرحلون ويتركون وراءهم إرثًا لا يُمحى

في عالمٍ يموج بالصخب والضجيج، يرحل الطيبون بهدوء لا يليق بحجم النور الذي تركوه خلفهم. لا شيء يضاهي فقدان صديقٍ نقيّ الروح، إنسان يفيض قلبه بالطيبة ويتحلى بنقاءٍ قلّما تجده في هذا الزمن.

حين ترحل تلك الأرواح الطيبة، يتجلى أمامنا فجأة حجم الفجوة التي خلفوها في حياتنا، وكأن وجودهم كان خيطًا رفيعًا نُمسك به ونحن لا ندرك أهميته إلا بعد أن ينقطع.

فالحياة تمضي دون أن نلتفت حقًا لمن كانوا يعطونها نكهتها ودفئها الإنساني. إن رحيل هؤلاء لا يترك وراءه فقط شعورًا بالفقدان، بل يُظهر كم كان وجودهم عظيمًا في حياتنا، وكم كانت مواقفهم وعلاقاتهم قائمة على الصدق والاحترام والمحبة.

صلاح صيام، لم يكن مجرد زميل أو كاتب صحفي، أو مديراً لتحرير جريدة الوفد بل كان قلبًا نقيًا ينبض بالخير، وابتسامة صادقة تتخللها كلمات لطالما حملت في طياتها دعماً ورفقاً للآخرين.

نعم، الطيبون يرحلون سريعًا، وكأن الأرض لا تتحمل نقاءهم، وكأنهم ينتمون إلى عالمٍ آخر أكثر رحمة وأقل قسوة. ولكن رحيلهم يترك جروحًا عميقة في قلوب من عرفوهم، لأنهم لم يكونوا مجرد أناس يمرون مرور الكرام، بل تركوا بصمة لا تمحى.

حين نفكر في صلاح صيام، لا نستطيع أن نغفل عن الهدوء الذي كان يحيط به، وعن تلك السكينة التي كان ينشرها حوله، وكأنه كان يعلم أن الحياة ليست سوى محطة عابرة، وأننا لسنا هنا لندوم، بل لنترك أثرًا طيبًا ثم نرحل.

صيام كان أكثر من مجرد مدير تحرير أو زميل صحفي؛ كان نموذجًا للإنسان الذي يجسد الأخلاق الرفيعة، والتواضع الذي لا يتصنعه، والمحبة التي يزرعها في قلوب من حوله بلا انتظار مقابل.

ربما يشعر البعض أن الكلمات لا تكفي لوصف صلاح صيام، وقد يكون ذلك صحيحًا، لأن الطيبين مثل صيام لا يمكن حصرهم في كلمات.

هم أرواح خالدة في قلوب من عرفوهم، طيفٌ يظل يرافقنا رغم غيابهم الجسدي، صوتٌ داخلي يذكرنا دائمًا بإنسانيتنا وبأننا نستطيع أن نكون أفضل مما نحن عليه.

ما يزيد الفقدان ألمًا هو أن الطيبين دائمًا ما يتركوننا ونحن في أمسّ الحاجة إليهم. حين نحتاج إلى تلك النصيحة الحكيمة، أو تلك الكلمة التي تحمل في طياتها دفئًا وصدقًا لا يمكن أن تجده في أي مكان آخر، نجد أنهم قد رحلوا، وكأنهم كانوا نورًا سريع الزوال، يضيء لحظاتنا ثم يتركنا في عتمة الحزن.

ولكن حتى في رحيلهم، يتركون لنا دروسًا لا تُنسى. دروسًا في الصبر، في الكفاح بصمت، في العطاء بلا حدود، وفي أن نعيش حياتنا بنقاء القلوب وبساطة الأرواح.

إن رحيل صلاح صيام يفتح الباب على تساؤلات عميقة حول معنى الحياة، وحول الدور الذي نلعبه فيها. كيف يمكن لشخص أن يكون طيبًا إلى هذا الحد في عالم مليء بالضغائن؟ كيف يمكن لإنسان أن يكون مخلصًا ومحبًا وصادقًا في عالم يفتقر إلى هذه القيم؟

الإجابة قد تكون في شخصية صيام نفسها، فقد كان يعلم أن الحياة قصيرة جدًا على أن نضيعها في الكراهية أو الضغائن، وكان يؤمن بأن الطيبة هي السبيل الوحيد للبقاء، حتى لو لم يكن البقاء في هذا العالم.

لم يكن صيام يسعى وراء الشهرة أو المجد الشخصي، بل كان يسعى إلى أن يكون إنسانًا، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ. وهذه هي أعظم إنجازاته. لقد رحل جسده، ولكن روحه ستظل تلهمنا لسنوات قادمة.

سنظل نتذكره في كل موقف نحتاج فيه إلى صوت العقل والحكمة، وفي كل لحظة نحتاج فيها إلى تذكير بأن الطيبة هي القوة الحقيقية.

الطيبين يرحلون، نعم، ولكنهم يتركون وراءهم إرثًا لا يُمحى، إرثًا من الحب والصدق والوفاء. وعندما نفقد شخصًا مثل صلاح صيام، فإننا لا نفقد مجرد زميل أو صديق، بل نفقد قطعة من أنفسنا. رحمة الله عليه، وسيظل دائمًا في ذاكرتنا، مثالًا على أن الطيبة والإنسانية هي الأثر الذي يدوم حقًا.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى