صراع الكبار لنهب “الدلتا للأسمدة”

في خضم صراع مثير واحتدام غير مسبوق تتنافس أربع قوى اقتصادية كبيرة على الاستحواذ على شركة “الدلتا” للأسمدة في صفقة تقدر قيمتها الأولية بـ 450 مليون دولار تتصارع ثلاث شركات مصرية مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي
في محاولة لتحقيق السيطرة على واحدة من أكبر شركات الأسمدة التي أُسست عام 1998 والمملوكة بالكامل للحكومة المصرية
ومع ذلك توقفت عن العمل منذ أربعة أعوام مما أدى إلى تكبدها خسائر فادحة تقدر بنحو 309 ملايين جنيه في السنة المالية المنتهية في يونيو 2023
تشير الأوضاع الراهنة إلى أن شركة “أبو قير للأسمدة” وشركة “مصر لإنتاج الأسمدة موبكو” بالإضافة إلى الشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات تسعى جميعها للسيطرة على “الدلتا”
وقد أعلنت هذه الشركات عن استراتيجياتها وطموحاتها للهيمنة على السوق في وقت تشهد فيه البلاد حالة من عدم اليقين الاقتصادي والتحديات المتزايدة من جميع الجهات
على الرغم من التحديات التي تواجه “الدلتا” إلا أن الفرص ما زالت موجودة بعد أن أنهت شركة “تيسن كروب” الألمانية دراسات تطوير الشركة في غضون ستة أشهر فقط
كما أشار مجلس الوزراء إلى أن هذه الدراسات قد تفتح الباب أمام مستقبل جديد وحياة جديدة لهذه الشركة العريقة لكن كيف سيكون هذا المستقبل وسط الأوضاع المتدهورة والضغوط الاقتصادية المتزايدة
في عام 2021 كان هناك مقترح بنقل “الدلتا” إلى منطقة السويس ودمجها مع شركة السويس للأسمدة لكن تم إلغاء هذا المقترح بقرار من رئيس الوزراء الأمر الذي يطرح تساؤلات حول الاستراتيجيات المتناقضة والتخبط في اتخاذ القرارات في ظل الظروف الحالية
أما في أبريل من عام 2021 فقد تم التوصل إلى قرار لتطوير مصانع “الدلتا” في موقعها الحالي بمدينة طلخا وهذا القرار يعكس رغبة حقيقية في إحياء الشركة
وإعادتها إلى العمل من جديد لكن الأهم من ذلك هو معرفة ما إذا كانت الشركات المتنافسة قادرة على إدارة هذا التطوير وتحويله إلى واقع ملموس
الأرقام تتحدث عن نفسها حيث أظهرت نتائج الشركة القابضة خلال العام المالي 2020-2021 وصول قيمة الإيرادات إلى 20.1 مليار جنيه بزيادة قدرها 10% مقارنة بالعام السابق
بينما ارتفع الربح إلى 7.1 مليار جنيه بزيادة 29% لكن هذه الأرقام لا تعكس واقع “الدلتا” الحالية بل تشير إلى أن هناك تحديات كبيرة يجب التغلب عليها
ما يثير القلق هو أن عمليات الاستحواذ هذه تأتي في وقت حسّاس تعاني فيه البلاد من أزمات اقتصادية مستمرة وعدم استقرار كبير في سوق الأسمدة الذي يعتبر أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد المصري وهذا ما يضعف الثقة في القدرة على تحسين الأداء وتجاوز الأزمات الحالية
هل ستنجح هذه الشركات في تغيير مصير “الدلتا” أم ستظل كما هي في دوامة الخسائر والتدهور هل سيكون هناك تأثيرات سلبية على السوق نتيجة هذا التنافس الشرس وهل ستتأثر الأسعار بشكل كبير في ظل هذه الظروف الحرجة
التساؤلات كثيرة والإجابات غير واضحة في ظل استمرار الصراع والسباق نحو امتلاك “الدلتا” ولكن ما هو مؤكد هو أن هذه الصفقة ستحدد مستقبل شركات الأسمدة في مصر وقد يكون لها تأثيرات عميقة على الاقتصاد المصري بشكل عام
إن التنافس على “الدلتا” ليس مجرد صراع على ملكية شركة بل هو رمز للأمل والكارثة في آن واحد فمن جهة هناك الرغبة في إعادة إحياء هذا الكيان الاقتصادي المهم ومن جهة أخرى هناك الخوف من الفشل المستمر والفوضى الاقتصادية التي قد تعصف بالبلاد
إن الأيام القادمة ستشهد مزيدًا من التوترات والمناورات في هذا الصراع حيث تستعد الشركات المتنافسة للكشف عن أوراقها في الوقت الذي ينتظر فيه السوق وأصحاب المصالح النتائج النهائية لهذه المعركة الاقتصادية الفريدة من نوعها
ولن يتوقف هذا الصراع عند حدود “الدلتا” بل سيمتد إلى التأثيرات على كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مصر
فهل سيكون هناك انتصار اقتصادي يضيء آفاق المستقبل أم ستظل البلاد عالقة في فوضى الخسائر والأزمات لا أحد يعلم الجواب لكن ما نعرفه هو أن هذه القصة لم تنته بعد وأن الأمل والخسارة يلتقيان في زوايا متداخلة من الحياة الاقتصادية في مصر