حميدتي يتهم مصر بالخيانة ويهدد برد عسكري على قصف قواته

في تصعيد خطير وغير مسبوق، خرج قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو الشهير بـحميدتي، بتصريحات نارية وجه فيها أصابع الاتهام مباشرة إلى الجيش المصري بالتورط في قصف قواته بولاية سنار السودانية.
وهذا الاتهام الذي أطلقه حميدتي جاء ليكشف عن مشهد متأزم جديد في العلاقات بين السودان ومصر، ويثير تساؤلات خطيرة حول مستقبل الصراع في السودان، وعما إذا كانت هناك قوى إقليمية تتدخل بشكل مباشر في هذا النزاع المحتدم.
حميدتي الذي طالما فضل تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع مصر، خرج الآن بنبرة مليئة بالغضب والوعيد، مشيراً إلى أن صبر قواته قد نفد إزاء ما وصفه بالتدخل المصري المباشر في الصراع السوداني الداخلي.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يُثار فيها الحديث عن تورط أطراف خارجية في الصراع السوداني، لكن حميدتي هذه المرة لم يترك مجالا للتأويل، متهماً الجيش المصري بوضوح بتنفيذ غارات جوية استهدفت قواته في ولاية سنار، وهو ما وصفه بأنه خيانة وغدر لم يعد بالإمكان السكوت عنه.
حسب تصريحات حميدتي، فإن الجيش المصري لم يكتفِ بمراقبة الأحداث من بعيد، بل اختار أن يتدخل بشكل مباشر عبر إرسال طائراته لقصف مواقع قوات الدعم السريع، مما أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى.
وتابع حميدتي حديثه ليؤكد أن قواته كانت تراقب الوضع عن كثب، وأنهم فضلوا الصمت لفترة طويلة على أمل أن يتراجع الجيش المصري عن دعمه للطرف الآخر في النزاع، لكنهم فوجئوا بالتصعيد المصري بدلاً من ذلك.
حميدتي شدد على أن تدخل الطيران المصري لم يكن مجرد حادثة عابرة أو خطأ غير مقصود، بل هو جزء من سياسة ممنهجة لدعم الجيش السوداني على حساب قوات الدعم السريع.
هذه التصريحات جاءت في وقت حساس جداً، حيث يعاني السودان من صراع داخلي مدمر بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقد أدى هذا الصراع إلى دمار هائل في البنية التحتية للبلاد وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا، فضلاً عن نزوح الملايين بحثاً عن الأمان.
اتهامات حميدتي للجيش المصري قد تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التصعيد الإقليمي، حيث قد تجد مصر نفسها متورطة بشكل أعمق في الصراع السوداني، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويثير هذا الأمر تساؤلات حول مدى استعداد مصر لتحمل تبعات التدخل في نزاع دموي ومعقد بهذا الحجم، في وقت تعاني فيه القاهرة من تحديات داخلية وخارجية لا تقل خطورة.
لم يكتف حميدتي بتوجيه الاتهامات فحسب، بل أرسل رسالة تهديد واضحة إلى مصر، متوعداً بالرد القوي والحاسم على ما وصفه بالعدوان الغادر.
قائلاً إن قواته لن تقف مكتوفة الأيدي، وإن كل الخيارات مطروحة على الطاولة للدفاع عن النفس ومواجهة هذا التصعيد الخطير.
تصريحاته تضع مصر في موقف محرج للغاية، خاصة أن القاهرة دائماً ما تحرص على التأكيد أنها ليست طرفاً مباشراً في النزاع السوداني، وأنها تسعى إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة.
لكن تصريحات حميدتي قد تدفع البعض إلى التشكيك في النوايا الحقيقية لمصر، خاصة في ظل تكرار الحديث عن دعم مصري غير معلن للجيش السوداني، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل من الصعب إيجاد حل سياسي للأزمة.
السودان الذي يعيش حالة من الفوضى السياسية والأمنية منذ سقوط نظام عمر البشير يجد نفسه الآن في خضم حرب أهلية تهدد بتمزيق البلاد، وقد يؤدي هذا الاتهام إلى مزيد من التوترات الإقليمية، خصوصاً إذا ما قررت مصر الرد على هذه الاتهامات أو التصعيد بنفسها.
الخطاب الذي تبناه حميدتي هذه المرة يعكس حالة من الغضب العارم والإحباط من التدخلات الخارجية في الصراع السوداني، وهو ما قد يدفع قوات الدعم السريع إلى اتخاذ خطوات غير محسوبة للرد على ما وصفه بالخيانة المصرية.
وإذا ما قررت قوات حميدتي الانتقام فعلاً من مصر، فإن المنطقة بأسرها قد تجد نفسها على حافة انفجار جديد، لا سيما وأن السودان يعتبر من الدول ذات الأهمية الجغرافية والاستراتيجية لمصر، ولأطراف دولية أخرى.
من جهة أخرى، يبدو أن تصريحات حميدتي جاءت في محاولة لتوجيه الأنظار بعيداً عن التحديات الداخلية التي تواجه قواته، والتي تعاني من ضغوط شديدة على عدة جبهات في السودان.
فالهجوم على مصر قد يكون وسيلة لصرف الانتباه عن تراجع قواته في بعض المناطق، ومحاولة لتوحيد صفوف أنصاره عبر خلق عدو خارجي مشترك. لكن في المقابل، فإن هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى تصعيد الأمور إلى مستوى غير مسبوق، خاصة إذا ما قررت مصر الرد بقوة على هذه الاتهامات.
وفي ظل هذا التصعيد الخطير، تظل الأسئلة قائمة حول الدور الذي تلعبه القوى الإقليمية والدولية في الصراع السوداني.
فهل ستظل مصر تراقب من بعيد، أم أنها ستجد نفسها مضطرة للرد على اتهامات حميدتي والدفاع عن نفسها؟
وهل سيؤدي هذا التصعيد إلى تدخل دول أخرى في الصراع؟ الأوضاع تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، ولا يبدو أن هناك أي بوادر للتهدئة في الأفق.
ويبدو أن السودان يتجه نحو مرحلة جديدة أكثر عنفاً ودموية، مع احتمالات بتوسيع رقعة النزاع لتشمل دول الجوار، مما ينذر بكارثة إقليمية قد تطال الجميع.