مصر

يوسف عبداللطيف يكتب: قاهرة المعز بين المستثمرين وصرخات التاريخ

تخيلتُ اليوم المعز لدين الله الفاطمي، وهو يقف وسط صروح القاهرة التي بناها بحُلم الإمبراطورية، يلتفت حوله ويتحسر قائلاً: “ويا حسرتاه على ما كان يومًا درّة تاج الحضارة!”

كان ينظر إلى المدينة التي أرادها جنة معمارية، مأوى للفنون والعلوم، وإذا بها اليوم تعاني من تشوه بصري مريع، تتراكم فيه مبانٍ عشوائية تطغى على المآثر التاريخية.

لقد أصبحت القاهرة اليوم رهينة لطمع المستثمرين الأجانب، بل وخاضعة لبعضهم في بيعها جزءًا بعد جزء. هل كان يتخيل المعز يومًا أن القاهرة التي أنشأها ستكون مسرحًا لبيع هويتها في مزاد مفتوح؟

أتذكر حوارًا لطيفًا جرى بيني وبين الدكتور محمود أباظة، السياسي القدير ورئيس حزب الوفد الأسبق، الذي داعبني قائلًا: “يا يوسف، خطفتك أضواء القاهرة!”

وكانت تلك الدعابة تشير إلى أنني رغم أصولي الصعيدية المتجذرة، كنت دائمًا مفتونًا بجماليات وتاريخ قاهرة المعز. فكانت القاهرة بالنسبة لي ليست مجرد مدينة، بل كانت حلمًا، لوحة حية تنبض بمجد عصور مضت، وكنت دائمًا أتساءل: إلى متى سنتركها تنهار أمام أعيننا؟

ومن المفارقات المثيرة أنني عندما كنت أسير في شوارع باب الشعرية اليوم، تذكرت النائب المناضل المخلص، الدكتور أيمن نور، الذي خاض معاركه النبيلة تحت قبة البرلمان المصري.

كانت جرأة الدكتور أيمن نور وإصراره على النضال من أجل حقوق المصريين علامة مضيئة في فترة من التاريخ السياسي المصري، ولم يكن يخشى مواجهة الظلم أو الفساد، سواء داخل البرلمان أو خارجه.

لقد كان الدكتور أيمن نور صوتًا لكل من لا صوت له، وأحد أولئك القلة الذين آمنوا بضرورة التغيير حتى في أحلك اللحظات.

إننا اليوم في حاجة إلى قيادات شجاعة وبرلمانيين مخلصين مثل الدكتور أيمن نور، وإلى إعادة النظر في مصير مدينتنا القاهرة.

فهي ليست مجرد مدينة، بل هي قلب مصر وروحها. إذا تركناها تتحول إلى رمز للتشويه والهدم والبيع، فإننا نخسر جزءًا من هويتنا الثقافية والحضارية التي لن نستطيع استعادتها.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى