تقارير

فساد أم إهمال .. حادثة محطة الزقازيق تُشعل الغضب الجماهيري

شهدت مصر حادثًا كارثيًا بمحطة الزقازيق، حين خرج أحد القطارات عن مساره، مما أسفر عن عدد من الإصابات والوفيات.

وفي أعقاب الحادثة، خرج الفريق كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة والنقل، في مقابلة تلفزيونية ليؤكد أن “العنصر البشري” هو المسؤول الأول عن الحادث،

مُشيرًا إلى أن “القطارات والمعدات سليمة” وأن الوزارة قامت بتحديث الأنظمة والمعدات الخاصة بالقطارات.

ورغم تصريحات الوزير، فإن الشارع المصري غاضب ومشحون، حيث رأى الكثير من المواطنين والمختصين أن هذه التصريحات تمثل محاولة للتهرب من المسؤولية الأكبر المتمثلة في الإهمال والتقصير الذي طال العديد من القطاعات الحكومية، بما في ذلك السكك الحديدية.

وفي هذا التحقيق، موقع “أخبار الغد” يكشف عن تفاصيل الحادثة وآراء المواطنين، ونسلط الضوء على أوجه القصور في قطاع النقل.

ويطرح أيضًا أسئلة مشروعة حول مدى مسؤولية الوزارة عن توفير بيئة آمنة ومستقرة للنقل العام، ومدى فعالية التحديثات التي تدعي الوزارة تنفيذها.

المشهد: حادثة الزقازيق

في حوالي الساعة السادسة مساءً يوم أمس السبت، تمزق السكون على صوت انفجار مدوٍ وصراخ قادم من محطة القطار.

صيحات استغاثة من ركاب قطارين .. الأول كان برقم 336 متجهاً من المنصورة إلى الزقازيق، والثاني برقم 281 متجهاً من الزقازيق إلى الإسماعيلية، وذلك عند بلوك 5 في مدينة الزقازيق. مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة 49 مواطناً.

كان هذا الحادث هو الأحدث في سلسلة طويلة من حوادث القطارات في مصر، التي أصبحت مشهدًا مألوفًا في السنوات الأخيرة.

أحد شهود العيان، وهو المواطن أحمد عبد الرحيم، البالغ من العمر 45 عامًا والذي كان بالقرب من موقع الحادث لحظة وقوعه، قال لموقع “أخبار الغد“: “كنت جاي أودع أخويا اللي كان رايح القاهرة، وفجأة سمعنا صوت مرعب .. شوفنا القطر وهو بيخرج عن القضبان وبيخبط في القطار الآخر. كان في حالة من الهلع والناس كانت بتصرخ وبتجري في كل اتجاه”.

وأضاف عبد الرحيم: “اللي حصل ده مش غلطة العاملين في المحطة، المشكلة أكبر بكتير. شوفنا عربات القطر وهي قديمة ومتآكلة، رغم كلام الحكومة عن التحديثات اللي بيقولوا إنهم عملوها.”

تصريحات الوزير: تحميل المسؤولية للعنصر البشري

في أعقاب الحادث، ظهر الفريق كامل الوزير في لقاء تلفزيوني ليتحدث عن ملابسات الحادثة.

وأكد أن القطارات والمعدات “سليمة”، مُشيرًا إلى أن “العنصر البشري” هو السبب الرئيسي للحادث.

وأضاف أن الوزارة قامت بتحديث السكك الحديدية وتزويدها بأحدث الأنظمة التكنولوجية.

وقال الوزير في تصريحاته: “القطارات والمعدات خضعت لتحديثات شاملة، وتم تدريب العاملين. ما حدث في محطة الزقازيق سببه خطأ بشري، والعاملون بالمحطة يتحملون المسؤولية”.

غضب شعبي: تملص من المسؤولية؟

أثارت تصريحات الوزير حالة من الغضب بين المواطنين والمهتمين بالشأن العام، حيث رأى الكثيرون أنها تمثل تهربًا من المسؤولية الحقيقية للوزارة.

وتساءل المواطنون كيف يمكن تحميل العاملين بالمحطة كل المسؤولية بينما تظل الوزارة هي الجهة التي تشرف على إدارة هذا القطاع الحيوي.

وتحدث المواطن محمد السيد، 35 عامًا، من سكان الزقازيق، قائلا: “إزاي الوزير يقول إن المعدات سليمة، وكلنا شايفين عربات القطارات القديمة والمتهالكة؟ ده مش أول حادثة ولا آخر حادثة، ودايمًا بنسمع نفس الكلام من المسؤولين.”

وأضاف السيد: “المشكلة مش في العاملين، المشكلة في الفساد والإهمال اللي حاصل في وزارة النقل. الوزير لازم يعترف إنه فيه مشاكل أكبر، مش بس خطأ بشري.”

آراء المختصين: المعدات والأنظمة بحاجة إلى تطوير حقيقي

وفي هذا السياق، تحدثنا مع عدد من الخبراء في مجال النقل والسكك الحديدية الذين أكدوا أن المشكلة أكبر من مجرد خطأ بشري. الدكتور خالد عبدالحميد، أستاذ هندسة النقل، أوضح: “تصريحات الوزير محيرة. عندما نتحدث عن حوادث القطارات،

يجب أن ننظر إلى العوامل المتعددة التي تساهم في حدوث هذه الحوادث، بدءًا من حالة البنية التحتية وصولًا إلى تدريب العاملين.”

وأضاف عبد الحميد: “نعم، قد يكون هناك خطأ بشري في بعض الحالات، ولكن لا يمكن أن يكون هذا هو التفسير الوحيد.

الأنظمة القديمة والمعدات المهترئة تسهم بشكل كبير في وقوع الحوادث. التحديثات التي تتحدث عنها الوزارة قد تكون جزئية، ولكنها بالتأكيد ليست كافية.”

الفساد والإهمال: جذور المشكلة

المسؤولية عن حوادث القطارات في مصر لا يمكن أن تُنسب فقط إلى العاملين في المحطات. فهناك قضايا أكبر تتعلق بالفساد والإهمال المستشري في مختلف قطاعات الدولة.

وتشير تقارير عديدة إلى أن الفساد في وزارة النقل يمتد لسنوات، حيث تم إهدار مليارات الجنيهات على مشروعات لم تُنفذ بشكل كامل أو لم تحقق الهدف المرجو منها.

وكشف المهندس علي حسن، أحد العاملين السابقين في هيئة السكك الحديدية، لموقع “أخبار الغد” عن بعض الممارسات الفاسدة التي تشهدها الوزارة، قائلاً: “في مشاريع كثيرة بيتم الإعلان عنها،

لكن لما تيجي تبص على أرض الواقع، تلاقي إنها مجرد وعود. الفساد هو اللي مخلينا في الوضع ده. المعدات اللي بيقولوا إنها محدثة، بعضها قديم جدًا وبيتلف بسرعة.”

وأكد حسن أن هناك حاجة إلى رقابة مستقلة على عمليات التحديث والمشروعات الحكومية لضمان تنفيذها بالشكل المطلوب.

ما هي الحلول الممكنة؟

بينما تتواصل التحقيقات في حادثة الزقازيق، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن تحسين الوضع في قطاع النقل والسكك الحديدية في مصر؟ الخبراء والمواطنون يجمعون على ضرورة إجراء إصلاحات جذرية تشمل:

إصلاح البنية التحتية: يشير العديد من المختصين إلى أن البنية التحتية للسكك الحديدية في مصر قديمة ومتهالكة، وتحتاج إلى تحديث شامل.

ويقول المهندس محمد عبد العزيز، خبير في هندسة النقل: “لا يمكننا الاعتماد على أنظمة ومعدات تجاوز عمرها الافتراضي. يجب أن تكون هناك استثمارات جدية لتطوير السكك الحديدية وليس مجرد وعود”.

وتدريب العاملين بشكل كافٍ العاملون في المحطات والقطارات يحتاجون إلى تدريب دوري للتعامل مع التحديات التقنية والتكنولوجية المتطورة.

بينما تحمّل الوزارة العاملين مسؤولية الحوادث، يجب أن تكون مسؤولة أيضًا عن توفير التدريب المناسب لهم.

ومحاربة الفساد: الفساد هو أحد أبرز العوامل التي تعرقل تطور قطاع النقل في مصر.

يجب على الحكومة أن تتخذ خطوات فعلية لمكافحة الفساد، سواء من خلال تعزيز الرقابة أو محاسبة المسؤولين عن المشروعات غير المكتملة.

وزيادة ميزانية الصيانة: يشير الخبراء إلى أن هناك نقصًا كبيرًا في ميزانية صيانة القطارات والمعدات. “ما يتم تخصيصه للصيانة لا يكفي”،

ويقول الدكتور خالد عبدالحميد، “القطارات تحتاج إلى صيانة دورية وإصلاحات مستمرة لتفادي الحوادث.”

إلى متى يستمر الفساد؟

حادثة الزقازيق ليست سوى جزء من سلسلة طويلة من الكوارث التي شهدتها مصر في قطاع النقل.

ومع كل حادثة جديدة، تتكرر نفس التصريحات وتُلقى اللوم على العاملين أو الظروف الخارجية، بينما يظل الفساد والإهمال هما العاملان الرئيسيان اللذان يتسببان في هذه الحوادث.

المواطنون والمختصون يجمعون على أن الحل يكمن في إجراء إصلاحات جذرية، تشمل تحديث البنية التحتية، تحسين تدريب العاملين، ومحاربة الفساد.

حتى يتحقق ذلك، سيظل المواطنون هم الضحايا الحقيقيون لهذه الممارسات، وسنظل نشهد المزيد من الحوادث والكوارث.

وأختتم المواطن حسام محمود، 50 عامًا، الذي فقد أحد أقاربه في الحادث، حديثه قائلاً: “كفاية بقى. كل مرة نسمع نفس الكلام. إحنا مش عايزين نسمع مبررات، عايزين نشوف أفعال حقيقية. الناس بتموت، ومحدش بيحاسب.”

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى