مصر

الفساد في الإسكندرية .. خفايا استغلال المالية العامة

في خضم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها محافظة الإسكندرية، يبرز الفساد كأحد التحديات الكبرى التي تؤرق المواطنين وتعيق جهود التنمية.

وتزايدت في الآونة الأخيرة الأصوات الرافضة من المواطنين والمختصين بشأن ما يحدث من استغلال للموارد المالية العامة، مما خلق حالة من الاستياء والقلق.

أصوات المواطنين: قصة المعاناة

في جولة ميدانية بالإسكندرية، تُظهر آراء المواطنين حجم المعاناة بسبب الفساد المستشري.

يقول حسين محمد، موظف حكومي: “حياة المواطن هنا أصبحت صعبة للغاية، وبدلًا من أن تُستثمر الموارد في تحسين الخدمات، نجد أن الأموال تضيع بين أيدٍ غير أمينة”. ويضيف: “الشوارع غير نظيفة، والخدمات الصحية متردية، وتعليم أولادنا يعاني”.

تُشير مريم حسن، ربة منزل، إلى أن الفقر وارتفاع الأسعار يفطران قلوب المواطنين، فتقول: “كيف ننتظر مستقبلًا أفضل في ظل هذا الفساد؟

يجب أن يكون هناك حساب صارم لمن يسرقون أموالنا”. تشكل هذه الشهادات واقعًا مؤلمًا يعكس تصورات المواطنين حول الفساد.

تحليل المختصين: الفساد وبنيته

تسعى العديد من الدراسات الأكاديمية والمعلقين السياسيين لتسليط الضوء على البنية الأساسية للفساد في الإسكندرية.

ويقول الدكتور علي العزب، أستاذ العلوم السياسية: “إن الفساد في الإسكندرية ليس فقط شأناً فردياً، بل هو نظام متكامل يُعزز من استمرار تلك الممارسات”.

ويؤكد العزب على ضرورة فهم الأنماط المتغلغلة في النظام الإداري: “الفساد مرتبط بالمحسوبيات،

وينتشر في مجالات عدة بدءًا من المشروعات الكبرى حتى الأمور اليومية، كإنجاز المعاملات الإدارية”. يدعو العزب إلى إعادة هيكلة الأنظمة الحكومية لتحسين الشفافية والمساءلة.

خفايا استغلال المالية العامة: حالات موثقة

تكشف التحقيقات الصحفية والتقارير الرسمية عن خفايا استغلال المالية العامة. حيث ارتبط اسم بعض المسؤولين بملفات فساد متعلقة بمشروعات وهمية،

إذ أظهرت الدراسات أن مليارات الجنيهات تُهدر تحت غطاء فواتير وهمية لمشاريع لم تُنفّذ بعد.

تكشف التقارير أيضًا عن شبكة من العلاقات غير الرسمية بين رجال الأعمال وبعض المسؤولين، حيث يتم تبادل المنافع على حساب المال العام.

ويُحذر الباحثون من أن هذه الأنماط ستجلب المزيد من الهزات إذا لم تتم مواجهتها بشكل حقيقي.

الجهود الحكومية: محاولات جدية أم مجرد شعارات؟

على الرغم من وجود محاولات لإصلاح الوضع، إلا أن العديد من المواطنين يرون أن تلك الجهود غير كافية.

حيث يُشير أحد الموظفين إلى أن هناك “وعودًا كثيرة ظهرت على السطح، لكن الفعل على الأرض كان محدودًا”. ويُضيف: “يجب أن تكون هناك إجراءات صارمة لمكافحة الفساد”.

تثبت بعض التصريحات الرسمية عن وجود خطط لمكافحة الفساد، لكن العديد من المواطنين ينتظرون نتائج ملموسة. ومع ذلك، يتطلب الأمر تغيير الثقافة الإدارية ودعم الشفافية في كافة المستويات.

الثقافة المجتمعية ودور المواطن: فاعلية التصدي للفساد

يؤكد الناشطون على أهمية الثقافة المجتمعية في التصدي للفساد، حيث يُعتبر الوعي وتثقيف المواطنين جزءًا لا يتجزأ من المعادلة.

ويقول محمد محسن، ناشط في حقوق المواطن: “يجب أن يتعلم المواطنون كيفية مراقبة عمليات الإنفاق العام، وأن يكون لديهم الأدوات اللازمة للمساءلة”.

يُعبر هؤلاء الناشطون عن ضرورة تأسيس قنوات تواصل بين الجمهور والمسؤولين لتعزيز الحوار البناء والتحقق من المعلومات. عبر جمعيات ولجان خاصة، يمكن تكوين تجمعات شعبية تسهم في نشر الوعي وزيادة المساءلة.

الأمل: أمثلة على محاربة الفساد في العالم

وتبقى الفرصة سانحة أمام الإسكندرية لتحقيق تقدم في مجال محاربة الفساد. يشير المهتمون بالشأن العام إلى تجارب الدول الناجحة في محاربة الفساد، مثل سنغافورة وشيلي. حيث تُظهر تلك الدول أن الإرادة السياسية قوية ومدعومة من المجتمع.

إن تكامل جهود الحكومة والمجتمع المدني شرط لابد منه للانتصار على الفساد وتحقيق التنمية المستدامة. التأكيد على القضية هو ما يجعل المواطنين يواصلون الضغط من أجل تحسين ظروفهم.

ضرورة التغيير الجاد

ويبقى الفساد عائقًا أمام تقدم الإسكندرية. التحركات الشعبية والمبادرات الجديدة تمنح الامل، لكن تحقيق تغيير واقعي يتطلب اتساع دائرة المشاركة ووجود إرادة قوية من قبل المسؤولين للتصدي لهذا الوباء.

يتطلع المواطنون إلى مستقبل أفضل يحقق لهم كماً من الأمل ويتجاوز الألم والخيبات. إن التفاعل بين الجهود الحكومية والشعبية يمكن أن يُسهم في صنع مستقبل أكثر إشراقًا للإسكندرية.

فهل ستستجيب الحكومة لصوت الشارع، وتقوم بإصلاح الأمور بكل جدية وشفافية؟ الإجابة ستظهر في الأيام القادمة، وينتظر المواطنون بفارغ الصبر.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى