في عالمنا المعاصر، تلعب السينما دورًا حيويًا في نقل القضايا الاجتماعية والإنسانية إلى الجمهور. هذا هو السبب وراء انزعاج الحكومة السعودية من الفيلم الهندي “حياة الماعز”، الذي يسلط الضوء على الجانب المظلم لنظام الكفالة في المملكة، ويكشف عن معاناة العمال الأجانب.
إن ردود الفعل هذه، رغم أنها تبدو مفهومة من حيث حرص المملكة على صورتها الدولية، تعكس أيضًا مدى حاجة المجتمع السعودي للاعتراف بهذه الحقائق المؤلمة.
حيث تتحدث قصة الفيلم عن الشاب الهندي “نجيب”، الذي تعرض للاستعباد من قبل مواطن سعودي لعدة سنوات. بدأت الحكاية عام 1991، حيث أجبره الكفيل على العمل في ظروف لم يعرفها أي إنسان، تعرض خلالها للمعاناة والظلم.
ونجح نجيب في الهرب، هذه القصة التي كانت تُروى للعلن بعد سنوات، تحولت إلى فيلم يتناول تفاصيل هذه الرحلة الصعبة التي خاضها، مما دق ناقوس الخطر على الواقع الذي يعيشه العديد من العاملين في السعودية.
للأسف، لا يُعتبر هذا الفيلم مجرد عمل فني، بل هو وثيقة حية تعكس معاناة فئة من الناس حُكم عليهم بالاستعباد، مما يزيد من أهمية ما يطرحه من قضايا.
عندما تُسلط الأضواء على نظام الكفالة، يتعين علينا أن نتعامل مع الأمر بموضوعية. حالة نجيب ليست فريدة من نوعها، بل تمثل واقع الكثير من العمال الأجانب في السعودية.
فكيف يُفترض أن يشعر المجتمع الدولي عندما تُعرض معاناة أناس يعيشون في ظروف قاسية، بينما يُحاول العالم تلميع صورة المملكة من خلال فعاليات الترفيه والفخر الوطني؟
وقد يبدو من السهل انتقاد الفيلم على أسس تجميلية، ولكن منافذ الإعلام السائدة لا يمكنها أن تُغض البصر عن الحقائق. يجب أن نتساءل، ما هي الرسالة التي ينقلها الفيلم؟ وما هي الأهداف التي يسعى لتحقيقها؟
وشهدنا في السنوات الأخيرة، تحولات كبيرة في السياسة السعودية، مع انفتاح المملكة على العالم من خلال رؤيتها 2030.
كان يُنتظر من هذه الرؤية أن تُحدث تحولاً إيجابيًا في العديد من المجالات، بما في ذلك حقوق المواطن وحقوق العمال. ومع ذلك، يبقى كثير من هذه الآمال حبيسة النصوص.
فيلم “حياة الماعز” يقدم صورة مختلفة تمامًا عن السعودية، ويطرح أسئلة مشروعة حول مدى قدرة الحكومة على معالجة انتهاكات حقوق الإنسان في سياق نظام الكفالة. ينتقد الفيلم الواقع بطريقة قد تُصدم المراقبين، مما يُشكل تهديدًا لجهود تلميع الصورة.
وعندما نشاهد فيلمًا يُسلط الضوء على معاناتنا، يجب أن نتقبل المسؤولية بشكل جماعي. علينا كمجتمع سعودي، كأفراد وكحكومة، أن نفكر بعمق في كيفية التعامل مع قضايا حقوق العمال.
قد يكون لدينا الكثير من الأمور التي نفخر بها، ولكن الحالات المؤلمة التي يُظهرها الفيلم تستدعي منا التفكير بنقدي وجرأة.
ولنكن واضحين، إن معاملة الناس كسلع ليست علامة على القوة، بل تدل على ضعف إنساني. يجب أن نتجه نحو تحسين أوضاع العمّال الأجانب في المملكة وإعطائهم حقوقهم الأساسية. إن الأخطاء التاريخية لا تُعفى، لكن يمكن تسويتها من خلال خطوات جادة نحو تغيير حقيقي.
ولقد كان يُمكن أن تكون هذه فرصة للملكة لتحسين صورتها من خلال معالجة هذه القضايا. لا ينبغي أن تكون السينما هي الصوت الوحيد الذي يُعبّر عن الواقع المؤلم للعمال.
ونحتاج إلى مؤسسات حكومية تعمل بروح التعاون مع المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، وتحقق في ممارسات العمل وتعيد النظر في نظام الكفالة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب استثمار هذه الأوقات الصعبة لتعزيز الوعي بين العاملين حول حقوقهم والتشجيع على تقرير مستقبلهم. يُفضل لنا أن نكون قدوة للعالم في التعلم من الأخطاء بدلاً من إخفائها.
وعندما نرى فيلم “حياة الماعز”، يجب أن نستعد لمواجهة أنفسنا. إن الألم الذي يعاني منه آخرون يجب أن يفتح لنا الأبواب نحو التغيير. من خلال النقد الذاتي والشفافية، يمكن للمملكة أن تُعيد بناء صورتها مع التركيز على القيم الإنسانية والعدالة.
فبدلاً من الانزعاج من الفيلم، ينبغي أن ننظر إليه كدعوة للتحسين وليس كتهديد. إذا كنا نرغب في تحسين أوضاع العمل وحقوق الإنسان في المملكة، فلابد من قبول الحقائق المؤلمة والعمل على تحقيق التغيير الإيجابي