مقالات ورأى

أحمد أويصال يكتب : انقلاب كالثورة في بنغلادش

بات من الواضح أنّ العالم يمرّ باضطرابات جدّية، لكن العالم الإسلامي أكثر من يعاني. من المجازر الإسرائيلية في غزة وحتى الهجمات على المسلمين في الغرب،

والانهيار المفاجئ للأسواق العالمية واحتمالية الحرب الإقليمية، سمع العالم إعلان إنهاء بنغلادش لحكم حسينة الذي دام ١٥ عاما بعد انتفاضة شعبية كبيرة انتهت بانقلاب يشبه الثورة.

سيكون لهذه الحادثة تداعيات للجيوسياسيا الآسيوية والعالمية كذلك.

كون بنغلاديش بوابة تصل بين شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا، فهي مهمة للتجارة العالمية واستراتيجية الولايات المتحدة والهند والصين واليابان وأستراليا وروسيا لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وهي رابع أكبر دولة مسلمة مع ما يقارب ١٦٠ مليون نسمة،

وبما أنّهم دخلوا الإسلام تحت الحكم التركي البابري، فقد كانت لهم علاقات قوية مع الخلافة العثمانية كسائر المسلمين الهنود. وتستضيف الدولة أكثر من مليون مسلم من الروهينغيا الذين فرّوا من الإبادة العرقية والدينية في ميانمار.

في العام الماضي مرت باكستان باضطراب سياسي عندما أقصى الجيش وحلفاؤه السياسيون رئيس الوزراء عمران خان، ما أدى لاحتجاجات جادة من مؤيدي عمران خان،

إلا أنّ ذلك لم يحل بينه وبين الاعتقال والسجن. وفي بنغلادش، حوّلت شيخة حسينة الدولة إلى حليف للهند وإلى دولة فقيرة مع ٢٥٠٠ دولار في إجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد بحسب البنك الدولي .

هناك صراع أيديولوجي في بنغلادش يعود لفصل الدولة عن باكستان عام ١٩٧١.

شكّلت الخيانة أساس هذا الاضطهاد حيث عارضت الأحزاب الإسلامية كالجماعة الإسلامية الانفصال عن باكستان.

قضت حكومة حسينة على غالبية المعارضين وخاصة المعارضة الإسلامية من خلال شنق قادتها. وأرادت الحكومة مكافأة داعميها من خلال تشريع ذلك التمييز بحجة دعم حركات الاستقلال بتخصيص نصف الوظائف الحكومية لمجموعات معينة.

وقالت المعارضة إنّ الهندوس وجماعات إثنية ودينية وأيديولوجية مقربة من النظام ستستفيد من تلك السياسة. خلق ذلك ضجة واسعة في دولة فقيرة ذات ١٨ مليون من الشباب العاطلين عن العمل بحسب الأرقام الرسمية.

بدأت الاحتجاجات سلمية ضد نظام الحصص التمييزي في الشهر الماضي، لكن حكومة حسينة اختارت قمعها من خلال السماح للشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين، وقتل ٣٣٠ مواطناً بحسب الأرقام الرسمية،

إلا أنّ الاحتجاجات ازدادت قوة. وبعد هذه الأحداث المأساوية، حاولت الحكومة إلقاء اللوم كله على خصمها، الجماعة الإسلامية، وقامت بحظرها.

رفض الطلاب المحتجون وعامة الناس هذه الاتهامات واستمرت بمطالبتها استقالة حسينة حتى بعد سحب القانون التمييزي من قبل المحكمة العليا.

إلى جانب الاحتجاجات، بدأ ملايين من المواطنين حركة عصيان مدني ضخمة حيث رفضوا دفع الضرائب وامتنعوا عن الذهاب إلى العمل لشلّ الحياة الاجتماعية والاقتصادية على نطاق غير مسبوق.

ازداد الضغط الشعبي المنظم على حكومة حسينة بدعم من المحتجين من مختلف الأعمار، وبعد رؤية حجم الاضطراب الشعبي وتصاعد إراقة الدماء،

أعلن جيش بنغلادش أنه سيمتنع عن إطلاق النار على المواطنين، وشكّل ذلك أملاً مضافاً للمحتجين لإطاحة الحكومة.

إلا أنّ الشرطة استمرت بقمع الطلاب والمحتجين، وتوالت أخبار مقتل المحتجين من مناطق مختلفة وارتفع عدد الوفيات لأكثر من ٤٥٠ بحسب معلومات رسمية، وتقول مصادر غير رسمية إنّ الرقم يساوي ١٢٠٠.

بعد هذا الوضع المتوتر، أعلنت حكومة حسينة رغبتها التفاوض مع الطلاب والجماعة الإسلامية، ورفض الطلاب التفاوض مع الحكومة التي ردت بقطع الانترنت وإعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجول، إلا أنّ المحتجين تجاهلوا ذلك.

وفي السابع من أغسطس، أقال الجيش حكومة حسينة وشكل حكومة مؤقتة معبراً عن التزامه بمطالب الشعب، كما وعد بمحاكمة قتلة المتظاهرين.

يريد الشعب الديمقراطية إلا أنّ التحول للديمقراطية ليس واضحاً لأنّ بنغلادش، مثل باكستان وغيرها من الدول المسلمة، تميل للوصاية العسكرية،

كما تشكل هدفاً للتنافس العالمي. ستتجلى علامات الاتجاه المستقبلي قريباً ونتمنى الأفضل لشعب بنغلادش.

المصدر الشروق

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى