مصرمقالات ورأى

د. أيمن نور يكتب: بعد ١٠ سنوات.. أروي سبب انتقالي إلى تركيا ((لماذا يُغتال المعتدلون))؟!

منذ عشر سنوات وفي مثل هذا الأسبوع (نهاية يوليو عام ٢٠١٤) كنت أستعد للإفطار الرمضاني في منزلي بمنطقة عليا الجبلية في لبنان، وكان لدي ضيوف من الأردن حضروا لمشاركتي الإفطار بصحبة نقيب المهندسين السابق والسياسي الأردني الشهير الراحل. ليث شبيلات.


فجأة دق الباب وكان الطارق رئيس المخابرات العسكرية اللواء جوزيف غنطوس، -الذي لم يسبق لي التعرف عليه قبل هذا اللقاء الأول والأخير.
كان مضمون اللقاء صادمًا ومفاجئًا أكثر من الطريقة التي تمّ بها. قال المسؤول الأمني اللبناني بوضوح ،إن لديهم معلومات استخباراتية، تؤكد أن هناك ترتيبات من جهة ما لمحاولة اغتيالي في لبنان. وطلب منه الرئيس عون اطلاعي على المعلومة -دون ذكر التفاصيل-، وإبلاغي بأن هناك حزمة من الإجراءات الحمائية ستتخذ حال استمرار إقامتي في لبنان.


قلت للواء غنطوس (متشككًا في الأمر كله) لا أظن أن أحدًا يمكن أن يفعل شيئًا من هذا القبيل مع شخص معتدل ، لم يتبنَّ يومًا ،رأيًا متطرفًا أو حلاً خارج نطاق السلمية والقانون.!!

رد المسؤول الكبير، على وجهة نظري ،في نفي الاحتمال ،الذي جاء لإبلاغي به قائلا:-
منطقك في نفي واستبعاد هذا الاحتمال هو (حجتنا ودليلنا) على تغليبه،!!

مضيفاً أن لبنان عرف عشرات الحالات لاغتيال سياسيين جميعهم يصنفون كمعتدلين ودعاة للحلول السياسية السلمية.

فورا اتخذت قراري في هذا اليوم بمغادرة لبنان إلى تركيا.

وبعد أربع سنوات، اغتيل أخي وصديق عمري الشهيد جمال خاشقجي الذي كان عنوانًا للوسطية والاعتدال، تذكرت يومها كلام المسؤول اللبناني ان الاغتيال هو في العادة يستهدف الأكثر اعتدلا وليس العكس

وها أنا ذا أتذكره مرة أخرى ،مع اغتيال الشهيد #إسماعيلهنية. والسؤال الذي اطرحه على نفسي -مرارًا وتكرارًا هو:

لماذا تغتال دائمًا أصوات الاعتدال أكثر من غيرها؟
وفي البداية أؤكد أن الاغتيال السياسي له اشكال مختلفة ربما يكون القتل المادي أبرزها لكن
آحسب أن القتل (بلا دم) باغتيال السمعه او بتقييد الحريه هؤ أخطر وأشهر طرق الاغتيال للسياسيين
فيُعرف الاغتيال السياسي -عامه-بأنه قتل شخصية سياسية بغرض تحقيق أهداف سياسية
. ولا تأخذ عملية القتل شكلًا واحدًا بل تتخذ ثلاثة أشكال:

-الاغتيال المعنوي، -والاغتيال المادي، -والاغتيال “القانوني”.

وفقًا للقانون الدولي، يُعتبر الاغتيال السياسي (المادي)جريمة حرب، وهي محظورة بشكل صريح في الاتفاقيات الدولية. مثلأ:-
تنص المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمةالجنائيةالدولية

على أن القتل والاغتيال هو جريمة حرب،
وتحظر المادة 3 في اتفاقيات جنيف الاعتداء على حياة وسلامة الأشخاص الذين لا يشاركون (مباشرة) في الأعمال العسكرية .

وتعد الاغتيالات السياسية ظاهرة وجريمة في آنٍ واحد. فهي ظاهرة اجتماعية تاريخية بحكم تكرار حدوثها وانتشارها زمانيًّا ومكانيًّا، فضلًا عن تعدد واختلاف أسبابها ودوافعها.
◾️ومن ناحية التوصيف القانوني، هي جريمة من ضروب القتل العمدي، محرمة دينياً، ومجرمة قانوناً، ومرذولة اجتماعياً. و الوصف والتعريف اللغوي لكلمة “اغتيال” يأتي من “غاله”، “غوله”، و”اغتاله”
أي أخذه من حيث لا يدري فأهلكه. والغُول (الجمع غِيلان) في المخيال الشعبي عند العرب هي الشياطين التي تظهر للناس في الفلاة، فتتلون لهم في صور شتى وتغولهم؛ أي تضللهم وتُهلكهم. والغيلة تعني الاغتيال، فيقال “قتله غيلةً” أي على غفلة منه.

وعادة ما تكون الجهة التي تلجأ إلى الاغتيال السياسي ،تسعى لترسيخ فكرة أن مسار التاريخ مُحتكم لقوى خفية شريرة تعمل في الظلام لتحقيق أهدافها.

ولكن، الواقع والعلم يثبتان أن التاريخ يتحرك وفق إرادة جماعية “خيِّرة” تستند إلى القيم والمبادئ الإنسانية. وهو عكس مايسعى اليه منفذو الاغتيال السياسي وهو أن يمتد تأثير هذه الجرائم ليهدم القيم الانسانية و المجتمع والأمة بأكملها، حيث يأملون في كل اغتيال في تداعيات واسعة فغالباً ما يتوقعون أن يؤدي الاغتيالات إلى فراغ في السلطة او الساحه وصراعات داخلية حول من سيخلف الشخصية المستهدفة.

أما اجتماعياً، فإنهم يستهدفون إثارة الخوف وانعدام الثقة في النفس وقواعد العدالة المحلية و الدولية .

وتُظهر الأحداث التاريخية أن الاغتيالات السياسية غالباً ما تستهدف الشخصيات الأكثر اعتدالًا، لأن هذه الشخصيات تمتلك القدرة على التفاوض وبناء جسور الحوار. و هذه القدرة تشكل تهديدًا للأطراف التي تعتمد على الفوضى والصراع لتحقيق أهدافها. و استهداف الأصوات المعتدلة يعزز الفوضى ويخلق فراغًا يمكن استغلاله من قبل قوى الإستبداد و القوى المتطرفة لتحقيق أهدافها.

بعض النماذج البارزة للاغتيالات السياسية تؤكد استهدفت الأصوات المعتدلة اكثر من المتطرفة ومثال ذلك:ء-
جون كينيدي (1963):

  • فالرئيس الأمريكي جون إف. كينيدي، كان رمزًا للحداثة والإصلاح، ومحلا للإجماع السياسي لكنه اغتيل في 22 نوفمبر 1963 في دالاس، تكساس. و اغتياله كان صدمة كبيرة وأحدث تغييرًا جذريًا في السياسة الأمريكية.

مارتن لوثر كينغ جونيور (1968):

  • وهو الناشط الحقوقي الأمريكي الأشهر الذي قاد حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة. واغتيل في 4 أبريل 1968، وكان رمزًا للنضال السلمي والمطالبة بالمساواة والعدالة الاجتماعية.
  • كما شهدت مصر والبلاد العربية عشرات محاولات الاغتيال الفاشلة بداية من سعد زغلول ومصطفي النحاس إلي اغتيال الرئيس الراحل انور السادات في ٦اكتوبر عام ١٩٨١
    ولا شك ان الاغتيالات السياسية تهدف إلى خلق حالة من الفوضى والرعب في المجتمعات، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار وفرض سيطرة أكبر على الأفراد وترويعهم.
    ومن هنا اختلفت السلطة المستبدة بعض حالات الاغتيالات علي غرار حادثة المنشية
  • والجريمة النكراء لا تستهدف فقط أشخاصًا مؤثرين في مجتمعاتهم مثل الزعماء السياسيين، والقادة العسكريين، بل تمتد لمفكرين، مثل اغتيال فرج فوده ،وأدباء، مثقفين، مثل نجيب محفوظ وصحفيين، مكرم محمد احمد وناشطين في تونس وسوريا . ومثل هذه الأحداث تداعياتها وتأثيراتها تمتد إلى المجتمع بأسره، مما يعزز من حالة عدم الثقة ويزيد من الانقسامات الاجتماعية.

في الختام، يجب علينا أن ندرك أن الاغتيالات السياسية تخدم مصالح ضيقة للاستعمار والاستبداد ولأقلية تسعى للسيطرة والهيمنة بعيدا عن ارادة الناس.

وللتصدي لهذه الجرائم، يجب تعزيز العدالة بعدم الإفلات من العقاب لمرتكبيها نأكيدا لسيادة القانون، وفهم الأسباب والدوافع الكامنة وراء توجيه هذه الأعمال البشعة وحرمان المجرمين من ثمار و أهداف جريمتهم
وتحديدا لا يجب أن يتحول اغتيال المعتدلين الي رصيد يضاف إلي قويّ العنف والتطرف ويبرر افعالها

إن فهم أبعاد وأسباب تلك الجرائم وعدم إفلات مرتكبيها من العقاب يساعد في التصدي لها ومنع وقوعها مستقبلًا،.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى