مصرمقالات ورأى

عبد القادر فايز يكتب: قراءة شاملة لوصف وتحليل سياق ودلالات اغتيال اسماعيل هنية

قراءة مطولة توصيفا ومحددا وسياقا وتحليلا في محاولة لاستقراء دلالات قيام إسرائيل باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية عبر استهداف مقر إقامته في طهران خلال زيارته الأخيرة إلى إيران للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني المنتخب مؤخرا.

توصيف الحدث

حدث غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الإسلامية في إيران منذ الثورة 1979، غير مسبوق اذا ما تناولنا هوية الشخصية التي تم اغتيالها وهو رئيس المكتب السياسي في حركة حماس اسماعيل هنية،

وهوية الفاعل وهو اسرائيل، ودلالة المكان أي في قلب العاصمة طهران ومبنى هو مقر اقامة لضيوف الحرس الثوري، وأهمية السياق الاقليمي والدولي وتقاطعاته مع سياق إيران الداخلي.

كل ذلك يوصلنا إلى توصيف يمكننا من خلاله القول إن اغتيال هنية في طهران هو اغتيال ثقيل وصعب وتحدي مباشر من قبل إسرائيل وتحديدا بنيامين نتنياهو للقيادة المركزية في إيران،

ولا مجازفة في القول إن ذهبنا إلى أنه اغتيال يعتبر أثقل بكثير على النظام الإيراني من اغتيال علمائه النوويين أو خبرائه العسكريين أو قياداته الأمنية.

سؤال مركزي

إذا كانت إسرائيل ممثلة بنتنياهو تعرف جيدا بأنه ليس بمقدور إيران السكوت عن اغتيال اسماعيل هنية على أراضيها، ولا خيار أمامها في سياقات امنها القومي ومساحات نفوذها سوى القيام برد واضح،

وأنه ليس بمقدور حزب الله السكوت عن اغتيال فؤاد شكر ولا خيار أمامه إلا الرد بشكل يحفظ موازين الردع لديه، فلماذا قامت إسرائيل بهذا الاغتيال ؟ وما هدفها من ذلك ؟ وما الذي يسعى إليه بنيامين نتنياهو ؟

الهدف الإسرائيلي

في سياق المحدد الأمريكي

هو خطوة استباقية من قبل إسرائيل لاعادة هندسة الشرق الأوسط وأحداثه وتقديم ذلك للرئيس الأمريكي القادم كأمر واقع محكوم بمحددات ومصالح إسرائيل للتعامل معه من قبل الرئيس الأمريكي،

وعدم انتظار رؤية الرئيس الأمريكي القادم تجاه الشرق الأوسط بحيث يتم توظيف إسرائيل فيها كلاعب وفرض المنطق الأمريكي عليها. 

في سياق المحدد الإيراني

الظروف المتلاحقة خلال السنتين الأخيرتين في المنطقة كانت تحتم على طهران ضرورة جوهرية واستراتيجية تتلخص في أهمية إعادة التموضع مجددا، شكلا ومضمونا،

عسكريا وأمنيا في مساحات نفوذها الشرق أوسطية. عمليا بدأت إيران إعادة التموضع بعد استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق فضلا عن ما جرى في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في شكلها ومضمونها والتي قُرأت في جانب من جوانبها بأنها تمهيد لاستدارة إيرانية تجري في جو إقليمي ودولي يبدو مريحا،

فضلا عن ترتيبها للأولويات ولأوراق القوة بهدف تصريفها سياسيا خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية. فعل كهذا سيكون بمثابة خطوة واسعة في اتجاه تثبيت عملي لتعامل واشنطن مع إقليمية إيران ونفوذها كدولة حتى ولو لم تعترف أمريكا رسميا وسياسيا بذلك. اغتيال اسماعيل هنية في طهران يقوض كل هذا المسار وتفرض على إيران منطق واحد وهو،

إما أن تدخلوا في حرب مفتوحة وشاملة تنتهي بحرب مباشرة بين ايران وأمريكا، أو أن تتراجعوا وتقبلوا بالمنطق الإسرائيلي كمحدد نهائي لكافة السياقات في الشرق الأوسط.

في سياق محدد خلط الأوراق وقلب سلم الأولويات لدى الجميع

 بامكاننا حصر بعض النقاط المهمة :

تثبيت عملي لمفهوم بأنه لا خطوط حمراء، لا مع إيران ولا مع حلفائها. إسرائيل ليست الطرف الذي سيتراجع بل أنه على إيران وحلفائها التراجع وعلى رأسهم حماس في غزة وحزب الله في لبنان.

توجيه ضربة قوية للمحور برمته، وعلى أرض الراعي الأول للمحور وداعمه الأساس أي إيران، وهذا يضع طهران في موضع تضيق فيه خيارات التحرك وتصبح محدودة جدا.

استعادة الجزء الصلب من مفهوم الردع الذي سقط في خضم ما جرى يوم 7 اكتوبر، وما تلى ذلك من أحداث مختلفة على جبهات متعددة.

محاولة القيام بهدم كلي للمكسب الذي حققته إيران بعد استهداف قنصليتها في دمشق واغتيال قادة كبار من الحرس الثوري، والذي دفع الحرس الثوري لضرب اسرائيل بشكل مباشر ومعلن انطلاقا من الأراضي الإيرانية،

هذا الفعل الذي اُعتبر يومها فعلا غير مسبوق وتجاوزا لكل الخطوط الحمراء من قبل إيران. 

التأثير في سياق الانتخابات الأمريكية القادمة انطلاقا من أحداث الشرق الأوسط، وقطع الطريق أمام أي حالة يجري بناؤها في خط العلاقة بين واشنطن وطهران خاصة فيما يخص شكل ومضمون الشرق الأوسط أمنيا وسياسيا بعد 7 اكتوبر .

محددات القراءة الإيرانية والخطوة القادمة

تنطلق إيران في قراءتها لاغتيال اسماعيل هنية على أرضها من محددات تبدو ثابتة في صياغة تقييمها لما جرى وتحديد شكل وسقف ومضمون الخطوة القادمة، ويمكن حصر هذه المحددات كالتالي:

1- لا تفريق بين هوية الهدف الذي تم اغتياله وهو اسماعيل هنية وبين وهوية صاحب الأرض حيث تم الاغتيال على أرضه وضمن محيط سيادته.

2- اغتيال هنية في طهران وفي أحد جوانبه هو ضرب مباشر ومعلن ورسمي للأراضي الإيرانية من قبل إسرائيل.

3- هذا اغتيال بمثابة اختبار وازن للارادة الإيرانية ومدى الحد الذي بمقدورها الذهاب إليه في عملية المواجهة مع إسرائيل تحت عنوان ” لا حرب كاملة ولا سلام جزئي “

4- ضرب مباشر لأي نوايا أو أفعال ( هناك خطوات عملية بدأت مؤخرا ) لأي تقارب متوقع بين أمريكا ما بعد الانتخابات الرئاسية القادمة وإيران في ظل رئيس جديد هو مسعود پزشكيان.

5- عدم الرد على إسرائيل قد يكون أسوأ في تداعياته وتكاليفه من الرد نفسه، لأن جزء من العقل المركزي الاستراتيجي في طهران يسأل الآن : ما الذي يمكن أن يردع إسرائيل مستقبلا ويضمن من أن تقوم باغتيال جديد وبذات الشكل للقيادات الإيرانية نفسها وفي وسط طهران .

الردع .. مكسب المحور الثمين

أحد جوانب السياق الذي يجري التفكير فيه الآن في إيران وبقية حلفائها وعلى رأسهم حركة حماس وحزب الله ومن خلفهم نخبة الحرس الثوري الإيراني هو مفهوم الرد الجديد وكيف يمكن التعامل معه،

وهل يجب الحفاظ عليه مهما بلغت تكلفة ذلك، أم يجب التخلي عن هذا المكتسب وفق سياق معين.

 وهنا يمكن توضيح ذلك في 3 نقاط كالتالي :

1- منذ 7 أكتوبر إلى اليوم سارت الأحداث بشكل حقق لإيران وحلفائها مكسبين استراتيجيين :

تآكل في مفهوم الردع الإسرائيلي بمعناه الاستراتيجي والإقليمي.

1-تراكم في مفهوم الردع الإيراني الإستراتيجي كدولة إقليمية تعتبر قائدة لمحور المقاومة في المنطقة.

2- اغتيال اسماعيل هنية في طهران وفؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية يعيد البوصلة إلى مربعها الأول،  أي أنه ضربة هدامة لمفهوم الرد الاستراتيجي للمحور، فضلا عن ترميم مهم لمفهوم الردع الاستراتيجي لاسرائيل.

3- يجب على إيران وحزب الله وحماس وبقية محور المقاومة اتخاذ قرار وازن مفاده، هل يجب الدفاع والرد بشكل يبقي المكسب الاستراتيجي قائما ؟

أم يجب التخلي عن هذا المكتسب والرد بشكل يعيد قواعد الاشتباك السابقة التي كانت تعتبر مفهوم الردع الاستراتيجي الاسرائيلي خطا أحمر يمكن ضربه والمراوحة فوقه، لكن لا يجب تجاوزه بأي حال من الأحوال.

خيارات الرد .. إيران والمحور

ما يمكن فهمه في طهران الآن أن الرد سيكون في اتجاهين، الأول تقوم به طهران بشكل مباشر،  والثاني يقوم به حزب الله مع اسناد من قبل بقية المحور.

في سياق الرد الإيراني لابد من التركيز على أن إيران دولة بمعزل عن الشعارات الكبرى وتقديم البعض لها، وهذا يعني أن أي رد لها يجب أن يكون مقيدا بالمعطيات أدناه :

أن يكون معلوم البداية والنهاية.

أن يكون محدد السقف والهدف.

أن يكون من خطوة واحدة يليها إعلان واضح يفيد انتهاء الرد ويضع الكرة في الملعب الاسرائيلي. 

الكلام أعلاه قد لا ينطبق على مكونات محور المقاومة وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني، لهذا فان الرد في هذه المساحة قد يتخذ شكلا مختلفا ليس من السهل توقعها أو استشراف سياقاتها.

خيارات الرد لدى إيران

تقديري بأنه لا يوجد أمام إيران سوى خيار واحد ووحيد يتناسب مع حجم وشكل ومضمون ما جرى ولو أنه سيدخلها في معركة كسر عظم خطيرة جدا، الخيارهو :

1- الرد بشكل مباشر وواضح وقاس، كالقيام بما يشبه النسخة 2 من عملية “الوعد الصادق” أي ضرب مباشر ومعلن ورسمي من قبل الحرس الثوري الإيراني لأهداف داخل إسرائيل، لكن مع وجود 3 محددات جديدة :

استخدام أسلحة متطورة لم تستعمل سابقا.

اسقاط فكرة الضرب النظيف وعدم استبعاد مبدأ إراقة الدماء.

اختيار أهداف موجعة وذات أهمية بالنسبة للرأي العام الإسرائيلي.

قد يطرح البعض هنا خيار تحرك غير مسبوق لحزب الله في لبنان، وهذا وارد حقيقة بمعنى أن يجري التنسيق مع حزب الله للقيام بخطوة أولى وازنة وواسعة وغير متوقعة،

ورفع سقف التهديد المباشر عمليا، وترك القرار لاسرائيل بامكانية الذهاب باتجاه فتح حرب إقليمية واسعة. لكن بتقديري أن هذا خيار لا يعالج 3 جوانب مركزية :

اغتيال هنية جرى على الأرض الإيرانية وعدم الرد المباشر على ذلك سيشكل اهانة لهيبة إيران كدولة اقليمية.

ما الذي يضمن أن لا تلجأ إسرائيل مرة أخرى إلى اغتيالات مشابه في المستقبل لقيادات أخرى من محور المقاومة وهي تزور طهران بشكل دوري.

عدم الرد المباشر سيضعف مفهوم الردع الاستراتيجي الذي حققته ايران خلال عملية ” الوعد الصادق”  كما أنه سيضع هذا الفعل الايراني خارج كافة السياقات المهمة بمعنى وكأنه لم يحدث.

الخلاصة

المعركة الآن بالنسبة لنتنياهو في إسرائيل هو اعادة ترتيب الشرق الأوسط بشكل لا يسمح لأي رئيس أمريكي قادم التحرك خارج سياق مواجهة إيران وحلفائها بشكل مباشر وقاس،

بينما ذات المعركة بالنسبة لإيران وحلفائها هي ضرب متتابع وتراكمي للردع الاستراتيجي الإسرائيلي وتقوية أطواق النار حول إسرائيل وتضعيف جبهتها الداخلية، لكن دون الذهاب إلى حرب مفتوحة.

هذه مهمة تبدو صعبة جدا ومعقدة جدا وتحتاج إلى موازنات دقيقة جدا، لكنها غير مستحيلة بطبيعة الحال.

                                                                          الباحث عبد القادر فايز

                                                                  صحفي متخصص بالدراسات الايرانية

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى