لقد بَلَغَ السيلُ الزُبَى .. أغلبية المصريين في ضنك .. والفشل في كل اتجاه .. والفضائح تتوالى مغموسةً بالفساد ويتحدث بها العالَم .. والحاكم يعبث بكل شئٍ ولا يَعبَأُ بأحد .. والمعارضة ليست إلا أصواتٍ زاعقةً لا تملك تغييرَ شئٍ ..
هذا النظام لن يسقط إلا بالقوة، والقوة لا يملكها إلا الجيش .. أليْسَ فيه من يغار على بلده؟ .. أَلَا يوجد في الجيش من يُخَّلِصُ مصرَ مما هي فيه؟ .. أَلَيْسَ فيهم (دَكَر)؟ .. للأسف يبدو أنَّه لا أَمَل، فالضباط مُنَّعَمون ومستفيدون من استمرار الوضع الحالي .. ضباط تشريفات).
يتكرر هذا النداء كثيراً في التاريخ المصري بين اليأس والرجاء .. وقد لَبَّى النداءَ مجموعةٌ من شباب الضباط، عند منتصف ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ..
فباركهم الجميع .. ليبراليون وإخوان ويساريون .. لم يتخلف إلا أغوات القصر وصنائع المحتل.
لم ينشغل الرجالُ بالمُسَّمَى الأكاديمي لما يفعلونه في تلك الليلة وهم يُلَّبُون نداء الوطن ..
مُفَّكِروا مصر هم من سَمَّوْها حركةً مباركةً ثُمَّ ثورةً .. وقد كانت ثورةً .. ولا يضيرهم ولا يشينهم أن يُسَّمَى اليومَ ما فعلوه بأثرٍ رجعيٍّ انقلاباً .. ولا تزال محفورةً في ذاكرتي تلك العبارة التي سَمِعتُها من الدكتور جلال أمين (ليس كُلُّ انقلابٍ عملاً مكروهاً .. فالانقلاب على وضعٍ سيًِّئٍ اعتدالٌ).
رَحِمَ اللّهُ الضباط الأحرار وتجاوز عن سيئاتهم وجزاهم عن مصر خير الجزاء .. كانوا رجالاً .. لا أستثني منهم أحداً.