في ظل الصراع المستمر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تحتل السردية والرواية دورًا محوريًا في تشكيل الرأي العام المحلى أو الإقليمي او الدولي وتوجيه السياسات.
فمع تصاعد الأحداث حول المسجد الأقصى الاخيرة، وعمليات التطبيع وصفقة القرن التي من كان أهدافها القضاء على القضية الفلسطينية القسري لأهل غزة فأتت معركة طوفان الأقصى لتقلب الموازين و تتصاعد السردية الفلسطينية متفوقة على نظيرتها الإسرائيلية.
فى السطور القادمة سأحاول معرفة الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذا التفوق، وكيف تمكنت الرواية الفلسطينية من كسب التعاطف والدعم العالمي.
اولا : السياق التاريخي للسردية الفلسطينية والإسرائيلية
لطالما كانت السردية جزءًا لا يتجزأ من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
منذ إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي في عام 1948، تركزت السردية الإسرائيلية على فكرة ان فلسطين “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، مع ترويج للمظلومية ولمفاهيم الأمن والدفاع عن النفس في وجه التهديدات الخارجية.
في المقابل، جاءت السردية الفلسطينية لتسلط الضوء على نكبة 1948 وما تبعها من تهجير وتشريد للفلسطينيين، مع التركيز على حق العودة والحقوق الإنسانية والمدنية.
والأهم من هذه الأمور الأخيرة الا وهو الحق التاريخي في الأرض وقدسية الأرض والمسجد لدى كل من المسلمين والنصارى .
مع مرور الوقت، نجحت السردية الفلسطينية في كسب تأييد واسع على المستوى العالمي بفضل جهود المثقفين والكتاب والنشطاء الفلسطينيين والدوليين الذين عملوا على نقل معاناة الشعب الفلسطيني إلى العالم.
على الرغم من سيطرة اللوبيات الصهيونية على القوة الإعلامية فى العالم الغربي وكذلك الدبلوماسية الإسرائيلية.
إلا أن الرواية الفلسطينية تصاعدت مع تمتعها بمصداقية وتأثير متزايدين بالإضافة الى الادلة المنطقية .
ثانيا: دور الإعلام والتواصل الاجتماعي
في العقدين الماضيين أصبح الإعلام والتواصل الاجتماعي أدوات قوية في تشكيل السرديات والروايات.
فتمكن الفلسطينيون من الاستخدام الامثل لهذه الأدوات بشكل فعال لنقل واقعهم ومعاناتهم اليومية بشكل مباشر إلى العالم.
الفيديوهات والصور والتغريدات التي تنقل الأحداث بشكل لحظي من مناطق الصراع، فى القدس وقضية الشيخ جراح كمثال ، وغزة وحروبها المختلفة فكان صوت وائل الدحدوح وتامر مسحال من غزة فتمكنت من إثارة تعاطف واسع النطاق.
وعلى الجانب الاخر عانت السردية الإسرائيلية من صعوبة في مواجهة هذا الزخم الإعلامي والتأييد الشعبي.
بينما اعتمدت الرواية الإسرائيلية بشكل كبير على البيانات الرسمية والتقارير الإعلامية التقليدية، نجد أن الرواية الفلسطينية تأتي مدعومة بشهادات حية ومشاهدات يومية تتجاوز الفلاتر الإعلامية التقليدية.
هذا التفوق في التواصل الاجتماعي أسهم بشكل كبير في تعزيز السردية الفلسطينية.
ثالثا :تأثير الفنون والثقافة
طالما لعبت الفنون دائما دور. بارز ويثبت فى الاذهان والضمائر ، فأتت الفنون والثقافة الفلسطينية بدورًا كبير في تعزيز الرواية الفلسطينية.
الأفلام الوثائقية والروائية، الأدب والشعر، والمعارض الفنية، والسينما التي وصلت للعالمية كلها أدوات استخدمها الفلسطينيون لنقل قصتهم إلى العالم.
أعمال مثل “عمر” “الجنة الآن” و”خمسة كاميرات مكسورة”” 200 متر” كانت لها تأثير كبير في تقديم السردية الفلسطينية بطريقة إنسانية وعاطفية، مما ساهم في كسب تعاطف الجمهور الدولي.
بالإضافة إلى ذلك، تميز الأدب الفلسطيني بشهادته الحية على المعاناة والآمال، مع كتابات محمود درويش وإدوارد سعيد وغسان كنفاني ورسوم ناجي العلي التي أصبحت أيقونات للفن المقاوم.
هذه الإسهامات الثقافية جعلت من السردية الفلسطينية جزءًا من الوعي الثقافي العالمي، مما صعب على الرواية الإسرائيلية التفوق عليها.
رابعا: الأحداث حول المسجد الأقصى
يمثل المسجد الأقصى، بمكانته الدينية والتاريخية نقطة حساسة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
اظهرت التصعيدات الأخيرة حول الأقصى وحرب طوفان الأقصى مرة أخرى التفوق الواضح للرواية الفلسطينية.
فالأحداث التي شهدها الأقصى من اقتحامات المتطرفين للصهاينة لباحات الاقصى والتحريض عليها من قبل اشخاص امثال بن غفير وسيموترتيش، تم توثيقها وبثها بشكل مكثف عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
مما أثار موجة من الإدانات والتعاطف العالمي.
في كل هذه الاحداث ومن لحظات الاولى لاحتلال فلسطين والشهادات الحية لأفراد شهود عيان على مجازر قامت بها العصابات الصهيونية الارهابية لم يكن الفلسطينيين هم من قالوا هذا الوصف إنما سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين المحتلة وارجعوا إلى الصحف الإنجليزية التي رصدت الاموال للقبض على أعضاء العصابات الصهيونية مناحيم بيجين وشمعون بيريز .
كانت الرواية الفلسطينية تركز على الانتهاكات والممارسات التعسفية التي يتعرض لها الفلسطينيون في كل مدن وقرى فلسطين وهو ما ساهم في تعزيز مصداقيتها أمام الرأي العام الدولي، في المقابل كانت الرواية الإسرائيلية تحاول تقديم مبررات أمنية وسياسية لهذه الأعمال.
لكنها لم تتمكن من كسب نفس القدر من التعاطف والتأييد رغم كل الامكانيات الكبيرة سواء كانت الاموال أو امتلاك القنوات الإعلامية والأفراد مثل الاعلاميين والمطربين وغيرهم .
خامسا: دور المنظمات الدولية وحقوق الإنسان
لعبت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان دورًا مهمًا في تعزيز الرواية الفلسطينية. تقارير هذه المنظمات، التي وثقت الانتهاكات والاعتداءات التي يتعرض لها الفلسطينيون .
فساهمت في تقديم صورة واقعية لما يحدث على الأرض ، هذه التقارير أتت مدعومة بإحصائيات وشهادات حية.
مما يعزز من مصداقية السردية الفلسطينية منظمات مثل هيومان رايتس ووتش، منظمة العفو الدولية.
وحتى بعض الهيئات التابعة للأمم المتحدة، قدمت تقارير تنتقد السياسات الإسرائيلية وتدعم حقوق الفلسطينيين .
وكان اخرهم قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال لرئيس الوزراء نتنياهو هذا الدعم الدولي أسهم في تعزيز الرواية الفلسطينية وجعلها أكثر تأثيرًا على الساحة العالمية.
سادسا: الأبعاد القانونية والسياسية
تسعى الرواية الفلسطينية من الناحية القانونية إلى تسليط الضوء على القرارات الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تدعم حقوق الفلسطينيين.
القانون الدولي يعتبر الأراضي الفلسطينية محتلة، ويعتبر بناء المستوطنات غير قانوني.
استخدام الرواية الفلسطينية لهذه الأطر القانونية يعزز من مصداقيتها أمام المجتمع الدولي.
في المقابل، تواجه الرواية الإسرائيلية تحديات في تبرير مواقفها وسياساتها من الناحية القانونية. على الرغم من الدعم القوي الذي تحظى به إسرائيل من بعض القوى الكبرى.
إلا أن الرواية الفلسطينية تعتمد على الشرعية الدولية والقوانين الإنسانية في تعزيز موقفها بالإضافة إلى الدلائل الواقعة على الارض مما يجعلها أكثر قوة أمام المجتمع الدولي.
سابعا: التحديات التي تواجه السردية الفلسطينية
برغم التفوق الملحوظ للرواية الفلسطينية، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة. القوة الإعلامية والسياسية لإسرائيل، ودعمها القوي من بعض الدول الكبرى، تشكل عقبات أمام تعزيز الرواية الفلسطينية.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني الرواية الفلسطينية من تباين داخلي في بعض الأحيان، بسبب الانقسامات السياسية بين الفصائل الفلسطينية المختلفة.
ولكن رغم كل هذه التحديات، تمكنت الرواية الفلسطينية من الحفاظ على قوتها ومصداقيتها بفضل الدعم الشعبي والدولي التى كانت من نتائجها تزايد الدول المعترفة بدولة فلسطين.
والمظاهرات الدولية فى بلدان كانت ومازالت معاقل لمؤيدى السردية الإسرائيلية مثل انجلترا وأمريكا والحراك الطلابي الذى فضح المؤسسات الجامعية فى أوروبا واميركا .
واستخدام الأدوات الحديثة في التواصل ونقل الحقائق ، والامثلة كثيرة ولكن يكفى السردية الفلسطينية التفوق على اللجان الإلكترونية الهاسبرا التي روجت إلى القصة المزعومة من جندي إسرائيلي.
من انه رأى جثث الأطفال مقطعة الرؤوس ، وتبناها البيت الأبيض فسبب له إحراج وغلطة لا تغتفر أمام المجتمع الدولي
وأخيرا يجب علينا أن نقول :
إن تفوق السردية الفلسطينية لا يعتمد فقط على القدرة على سرد القصة.
بل يعتمد أيضًا على قوة الحقائق والمصداقية والشرعية الدولية.
هذا التفوق يعزز من الأمل في تحقيق العدالة والسلام في المنطقة.
ويظهر أن قوة الكلمة والصورة يمكن أن تكون أداة فعالة في معركة الحق والعدالة.
دامت الشعوب المقاومة فى وجه الاحتلال وعملاء حزب الليكود العربي ..