بين روح الثورة وعزم النضال، تتألق جنوب أفريقيا كنجمة في سماء العدالة،
تحمل بين جنباتها قصة شجاعة وتضحية، ترسم دروب الأمل وتنير طريق الحرية بالمواقف النبيلة والجسارة العالية
في خطوة تاريخية، أصدرت محكمة العدل الدولية اليوم قرارًا ضد إسرائيل نتيجة للدعوة التي أقامتها جنوب أفريقيا منذ أشهر. يأتي هذا القرار في إطار الجهود الدولية لمحاسبة إسرائيل على سياستها تجاه الأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
وجاء في نص القرار -الذي تلاه رئيس المحكمة القاضي اللبناني نواف سلام-
أنه “وفقًا لمعاهدة منع الإبادة الجماعية، فإن أي عمل إضافي في رفح قد يؤدي إلى دمار جزئي أو كلي”.
رأت المحكمة أن الهجوم البري على رفح -الذي بدأ في 7 مايو- تطورًا خطيرًا يزيد معاناة السكان،
وأن إسرائيل “لم تفعل ما يكفي لضمان سلامة وأمن النازحين”.
تحية لجنوب إفريقيا
ولا ينبغي أن نفوت الفرصة حتى نقدم التحية والتقدير لدولة جنوب أفريقيا، التي أثبتت أن الأفعال تغني كثيرًا عن الكلمات، وأن التصرفات تضع أصحابها في مصاف الكبار!
لقد أظهرت جنوب أفريقيا شجاعة ومثابرة في مواجهة دولة تتمتع بنفوذ كبير على الساحة العالمية،
مما يعكس هذا التصرف القيم والمبادئ التي تتمسك بها، خاصة في ظل تاريخها الطويل في مكافحة نظام الفصل العنصري.
على الرغم من حجمها الصغير مقارنة بدول أخرى، استطاعت جنوب أفريقيا أن تحفر لنفسها اسمًا بين الدول الكبيرة بالمواقف المؤثرة، وقوة موقفها وتأكيدها على الالتزام العميق بالعدالة وحقوق الإنسان.
قصور الأنظمة العربية
تصرف جنوب إفريقيا يكشف عن قصور الأنظمة العربية التي لم تحرك ساكنًا، وكان سكوتها هو سيد الموقف.
فرغم الثروات والإمكانات التي تملكها هذه الدول، إلا أنها لم تقدم الدعم الكافي للقضية الفلسطينية، ولم تتخذ مواقفًا جريئة تشبه ما قامت به جنوب أفريقيا، أو تظهر الدعم الكامل للقضايا العربية، وفي القلب منها قضية فلسطين. مما يثير العديد من العلامات استفهام حول التزامها بالقيم والمبادئ التي تدعي التمسك بها.
لقد أقام موقف جنوب إفريقيا حجة على المتخاذلين والمتحججين بحجج واهية لا تقدم أو تؤخر شيئًا في المشهد الدولي. هذا الصمت يظهر عجزها الأخلاقي والسياسي، ويقلل من تأثيرها وفعاليتها في نشر العدالة والدفاع عنها حول العالم وفي القضايا العادلة.
موقف مشرف
الموقف المشرف لجنوب إفريقيا في مواجهة إسرائيل يعكس التزامها القوي بالعدالة وحقوق الإنسان، كدولة تقود تحركات حقوقية ودولية ضد الظلم والاستبداد، مؤكدة على قدرة الحكومات في اتخاذ مواقف جريئة إذا توفرت الإرادة.
عزم طلاب الجامعات
أما في إطار المواقف الشعبية، فتتجلى الإرادة فيما قامت به الجامعات الأمريكية والأوروبية بدعم غزة والتنديد بالعدوان الإسرائيلي، متحدية إدارة الجامعات والحكومات التي تتخذ مواقف داعمة للكيان الصهيوني،
مجسدة قدرة الطلاب على الضغط على الحكومات وإدارات الجامعات بقطع علاقاتها مع الشركات التي تدعم الكيان الصهيوني، والضغط لإيقاف رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق التي فضت احتجاجات الطلاب المتفاعلين مع القضية الفلسطينية.
فما بين دعوات جنوب إفريقيا الحقوقية وتحركات الطلاب الحماسية، تتعانق أفكار العدالة والتضامن، تبدو كأصوات مؤثرة تهز أركان القوى الظالمة وتصنع الفارق بين القوة والضعف،
وتنشر بذور الأمل والتغيير، محفزة الشعوب والحكومات على اتخاذ خطوات حاسمة نحو العدالة والسلام.
كل التقدير والتحية لجنوب إفريقيا ولطلاب الجامعات الأمريكية والأوروبية،
أصحاب الأصوات العالية التي تعلو فوق صخب الظلم، محفزين العالم على الوقوف في وجه الظلام ونشر نور العدالة والتسامح.
فمهما كانت التحديات كبيرة والمصاعب شديدة، فإن قوة الإرادة والتضحية تجعل من المستحيل ممكنًا، وترسم لنا طريقًا مشرقًا نسعى جميعًا لتحقيقه.