مقالات ورأى

مجدي حسين يكتب: ٣ أثرياء ثروتهم أكبر من اقتصاد ٤٨ دولة، و٨٠٪ من ثروة العالم في أيدي ١٪

كل البحوث الموثوقة والتى تتمتع بحد أدنى من المصداقية تؤكد أن الدول النامية الفقيرة هى التى تنفق على البلاد الغنية وليس كما يزعمون أنهم يتكبدون مشاق الإقراض المالى والمعونات والاستثمار فى محاولات حثيثة لرفع شأن الدول الفقيرة !

هذا ما يؤكده جورج وودز المدير السابق للبنك الدولى : “ كمية رؤوس الأموال الخارجة من الدول النامية أكثر من المبالغ التى تدخلها بسبب الفوائد المرتفعة “

هذه التقديرات لا تدخل فى حسابها تدفق الأموال من البلاد النامية الفقيرة إلى البلاد الغنية أيضا تحت بند الفساد : رشاوى – عمولات – صفقات غير مشروعة ، وهذه الأموال بأرقام فلكية ، وهذا يفسر حالة الفقر المدقع فى بلاد افريقيا .

رئيس جنوب افريقيا له تصريح طريف جدا يقول فيه : “ 3 أغنياء فى سقف العالم تزيد ثروتهم على الناتج المحلى لأفقر 48 دولة فى العالم ” !

إن الظلم الاجتماعى العالمى يتجاوز كل الحدود الفلكية المتصورة ، والربا بطبيعة الحال من أبرز أسباب ذلك ، وهذا يوضح أن الموقف الاسلامى من الربا كان ” نبوءة ” سياسية اقتصادية فى القرآن الكريم وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبة الوداع .

ولكن منظمة أوكسفام تزيد فى تقديراتها الفلكية عن رئيس جنوب افريقيا فتقول : إن ثروة ال 8 أفراد الأكثر غنى فى العالم تساوى مالدى 4 مليارات انسان يعيشون على الأرض ! وأن أكثر من 8 دولارات من كل 10 دولارات تذهب إلى 1 % من أثرياء العالم .

ولكن تقارير التنمية البشرية للمم المتحدة أكثر تواضعا فتقول : إن 1 % من سكان العالم يمتلكون 46 % فقط وليس 82 % !! وفقا لإحصاءات 2010 . ولكننا لانزال نتحدث بأرقام فلكية عن تركز مرضى ومروع لثروات الكرة الأرضية فى يد حفنة من المتجبرين

وكان الرئيس بيل كلينتون قد قال فى حملته الانتخابية أن 1 % من الأمريكيين يحتكرون 90 % من ثروة البلاد . ونوضح بذلك أن تركز الثروة ليس المقصود به تركز الثروة فى يد شعوب الغرب بل فى يد قلة ضئيلة من نخبة الغرب .

فى عام 2013 قدر عدد فقراء أمريكا الذين يعيشون بأقل من دولارين فى اليوم ، وهو أقل من خط الفقر بكثير ، ب 77 مليون مواطن .

أما مجلس العموم البريطانى – البرلمان – فيتوقع سيطرة 1 % من البشر على 65 % من الثروة العالمية عام 2030 .

وهكذا نجد مصادر متعددة تتسم بالمصداقية أو الجدية على الأقل وتمتلك معلومات فى الغرب تقول بتقديرات متقاربة حول مدى تركز ثروة العالم فى يد حفنة من المحتكرين جراء سياسة التبعية والاستغلال . ألاتكفى هذه الحقيقة للتفكير فى إعداد ثورة عالمية ضد الظلم ، ظلم الاستعمار الجديد كما قامت ثورة عالمية ضد ظلم الاستعمار القديم . حتى وإن أخذت أشكال مختلفة .

لا أذكر أن كتلة الاخوان المسلمين فى هذه الدورة التى شاركت فيها أثارت أى معارضة أو مناقشة لأى قرض من القروض الأجنبية . ومن ناحيتى كنائب لم أجد فرصة كافية لمناقشة مشروعات القوانين بمنح وقروض ولا غيرها من الموضوعات لأن رئيس المجلس د. رفعت المحجوب كان قد آل على نفسه أن يمنعنى من الكلام قدر طاقته ، لخلافات قديمة بيننا عندما كان عميدا لكليتى الاقتصاد والعلوم السياسية وكنت رئيسا لاتحاد الطلاب ، ولأن جريدة الشعب كانت تهاجمه .

فى ظل هذه الأجواء تمكنت مرة بعد أن جمعت كل موضوعات قوانين القروض والمنح التى أقرت بالفعل بالمجلس وكان رقما كبيرا لا يقل عن مئات الملايين من الدولارات وهذا خلال دورة واحدة ، ويمكن الرجوع لمضابط مجلس الشعب . ولوحت بمخاطر العجز عن السداد يوما ما والاضطرار للجوء إلى نادى باريس ، وهذا ما حدث بعد ذلك بسنوات قليلة .

د. رفعت المحجوب : أنت تخلط بين القروض والمنح وتجمع بينهما والقروض فقط هى التى يمكن أن تصلنا إلى نادى باريس .

قلت له لقد جمعت القروض وحدها والمنح لوحدها . ولكن أشير إلى المعونات باعتبارها مؤشرا مصاحبا للقروض . فالدولة التى تريد أن تقرضك تغريك فى البداية بمنحة صغيرة ثم تربط هذه المنحة بقرض لاستكمال أو توسيع المشروع المستهدف ،

وهكذا نجد أن مؤشر القروض يسير طردا مع مؤشر المعونات . إن تنوع موضوعات هذه القروض يوضح أننا كلما واجهنا مشكلة ما فى أى قطاع نحلها باللجوء إلى القروض ،

وهذا سيؤدى إلى إغراق البلاد فى الديون ، كما أن هذا الأسلوب يعودنا على مسألة الاعتماد على الغير وعدم شحذ هممنا لحل مشكلاتنا بأنفسنا .

وأخذت أقرأ قائمة القروض فى أقل من عام ، وهى بالدولارات الأمريكية مع بعض قروض ومنح بالليرة الايطالية وعملات أوروبية أخرى . وكان المجموع بمئات الملايين . وهنا استوقفنى د. رفعت المحجوب رئيس المجلس : من أين لك بكل هذه المعلومات ؟ قلت له : هذه ياافندم قرارات المجلس فى هذه الدورة ومصدرى الوحيد هى المضابط التى توزعونها علينا بعد انتهاء كل جلسة وبعد طباعتها . أصاب المحجوب الذهول والارتباك لأنه لا يعرف كيف يرد ولا أن يكذبنى . كذلك أصاب الحضور الذهول لضخامة رقم الديون وهو مايعكس أنهم يقرون القروض بشكل آلى ومنفصل دون مراجعة لتزايد حجم القروض ، ودون إدراك للعواقب . وختمت حديثى : إنكم تقرون مشروع كل قرض لوحده ولا تنظرون إلى الصورة الكلية ولا بد أن تراعوا ذلك مستقبلا . كنت أدرك ان المجلس لا يملك أن يعترض على أى مشروع قرار أو قانون قادم من الحكومة . وأن مهمتى هى تسجيل مواقف لإبراء الذمة وللتاريخ . ولم يعقب أحد على بكلمة لا من الحكومة ولا من المعارضة ولا المحجوب .

كانت هذه المناقشة فى عام 1988 .. وذهبت مصر لنادى باريس عام 1991 لجدولة ديونها . وهذا ما كنت أحذر منه .

فى إحدى جلسات مجلس الشعب المسائية وجدت فى جدول أعمال المجلس مشروع قانون عجيب ، وكان وكيل المجلس هو الذى يرأس الجلسة ، أعطانى الكلمة وتحدثت براحتى . كان مشروع القانون يتعلق بقرض ب 800 ألف دولار لمعهد بلهارس المتخصص فى أبحاث علاج البلهارسيا ، وقلت هذا دليل آخر على العشوائية ، كلما واجهتنا مشكلة ما مهما كانت صغيرة نبحث عن قرض أجنبى . ما هذا المبلغ التافه : 800 ألف دولار الذى نجعله مشروع قانون . إن تلقى قرض بهذا الحجم هو إهانة غير عادية لبلد كبير بحجم مصر . إن الموضوع يأخذ شكل أن أحد المسئولين بوزارة الصحة كان فى زيارة للسفارة الأجنبية التى نطلب منها القرض وكأنه قال لأحد الدبلوماسيين : مالاقيش معاك أى مبلغ لمعهد بلهارس ؟ ففتح الدبلوماسى درج المكتب فوجد 800 الف دولار ، فقال له مارأيك أن تأخذ هذا المبلغ . فوافق . هكذا صورت الأمر بصورة كاريكاتيرية . وليس معنى هذا أننى أعترض على القروض الصغيرة وأرحب بالقروض الكبيرة ، بل أدعو لوقف هذا النزيف كلية . ولكن هذا القرض الصغير كان شكلا جديدا من أشكال المهانة .

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى