العودة إلى الحرية: نداء صابرين الناشطة التونسية في المنفي لدعم راشد الغنوشي
أكتب إليك من منفايا، حيث تحبس الأحلام في انتظار يوم العودة، وحيث تكون الحرية هدفاً نسعى إليه بشغف لا ينطفئ. بصفتي ناشطة حقوقية وسياسية، أشعر بواجب أخلاقي عميق يدفعني للتعبير عن دعمي وتضامني الكامل معك في هذه اللحظة المفصلية من نضالك.
نحن نمثل تيارين فكريين وسياسيين مختلفين، فأنت مناضل إسلامي ديمقراطي وأنا يسارية ديمقراطية.
قد يبدو للوهلة الأولى أن اختلافاتنا تشكل فجوة بيننا، ولكنني أؤمن بعمق أن هذه الاختلافات هي في الواقع ثروتنا الحقيقية. إنها الدليل الحي على أن التنوع في الرؤى والتوجهات يمكن أن يكون مصدر قوة ووحدة في مواجهة “الاستبداد والدولة البوليسية”.
لقد جمعتنا الرغبة في بناء مجتمع تحكمه العدالة والحرية، حيث تكون الحقوق مصونة والكرامة الإنسانية محفوظة… إن الحرية ليست مجرد غاية فردية، بل هي غاية جماعية تضمن حريتي وحريتك وحرية الجميع. إنها الأساس الذي يبنى عليه مستقبل وطننا، وهي السبيل الوحيد نحو التقدم الحقيقي في ظل دولة القانون والمؤسسات.
لقد تحدثنا عبر الهاتف قبل اعتقالك، وتبادلنا الأفكار حول قضايا عديدة. وجدت فيك إنساناً مختلفاً تماماً عن الصورة التي حاول الإعلام التونسي رسمها لك في السنوات الفارطة. كانت محادثتنا فرصة لاكتشاف شخصية تحمل الكثير من النبل والشجاعة، وإيماناً عميقاً بمستقبل تونس العادلة والحرة.
إن رفضك المثول أمام محكمة تفتقر إلى العدالة والنزاهة هو تعبير عن موقف فلسفي عميق ينبع من إيمانك بقيم الحق والحرية. لقد كرست حياتك للدفاع عن التعايش السلمي والإصلاح الديني والفكري، وللدعوة لبناء دولة القانون والمؤسسات.
هذه القيم ليست مجرد شعارات، بل هي الأساس الذي يمكن أن يبنى عليه مجتمع عادل ومستقر.
في عالم يتسم بالظلم والاستبداد، تأتي وقفتك الشجاعة لتذكرنا بأن العدالة لا تتحقق إلا عندما تكون ضمائر القضاة حرة وغير مقيدة بتهديدات السلطة. إن تضامنك مع القضاة الذين يواجهون التهديدات هو دليل آخر على التزامك العميق بسلامة المؤسسات القضائية، وإصرارك على أن يكون القانون والضمير هما مرجع القاضي، وليس ضغط السلطة.
إننا في زمن تختلط فيه الحقائق بالأهواء، ويصبح فيه التمييز بين الظلم والعدل أكثر تعقيداً. في هذا السياق، نجد في موقفك منارة تنير لنا الطريق نحو مستقبل أفضل، مستقبل تتحد فيه الأصوات الحرة للدفاع عن الحق، وتجسد معاني التعايش السلمي والإصلاح الحقيقي.
أود أن أؤكد لك أنك لست وحدك في هذا النضال. هناك العديد من الأرواح النبيلة المؤمنة بقضيتك، وتسعى جاهدة لتحقيق العدالة التي تضمن للجميع حقوقهم في محاكمة عادلة ونزيهة.
أسأل الله أن يمنحك القوة والصبر، وأن يُفرج عنك قريباً، لتعود إلى مواصلة نضالك من أجل وطن حر، وعادل. وكن على يقين أن هناك من سيكمل الطريق، متسلحاً بإيمانك وقيمك، حتى تحقيق الحرية والعدالة للجميع.
مع خالص التحية والتقدير