في ذكرى ميلاده ال ٨٧ رغد ابنة صدام حسين تنشر مذكراته بخط يده
وتضمنت المذكرات بحكاياته في “المعتقل الأميركي” وكشفت عن من وشى به في “بيت العار والخيانة”
وكشفت رغد صدام حسين، ابنة الرئيس العراقي الراحل، النقاب عن صفحات من مذكرات والدها أثناء وجوده في السجن بين الأعوام 2003 – 2006.
وكانت القوات الخاصة الأميركية اعتقلت صدام حسين في الـ13 من ديسمبر 2003 في قضاء الدور بتكريت مسقط رأسه من مرافق قريب، وأعدم في الـ30 من ديسمبر 2006.
انتهزت رغد ذكرى ميلاد والدها في الـ28 من أبريل، الذي كان يعد يوماً سنوياً واحتفالاً لعائلتها وللحكم قبيل عام 2003، لتنشر ما وصفته بـ”المذكرات الخاصة” التي كتبها أثناء وجوده في “المعتقل الأميركي” بالعراق بين الأعوام 2003 – 2006.
الملاحظة البارزة عن تلك المذكرات أنها آثرت نشرها كما وردتها من والدها من الصليب الأحمر بخط يده، والتي سبقها كثير من الكتابات والمذكرات التي اتهمتها بالتحريف والإجتهاد في الصياغة ولم تجعلها ترتقي إلى الأمانة في نقل التفاصيل التي عاشها في سجنه الذي أمضى فيه منذ لحظة اعتقاله حتى إعدامه ما يزيد على 3 سنوات تخللتها محاكمة طويلة أدت إلى إعدامه.
الإبنه الكبرى
ولكون رغد الإبنة الكبرى للرئيس العراقي الراحل بعد مقتل ولديه عدي وقصي في الموصل، أضحت الناطقة بإسم العائلة على رغم وجود والدتها السيدة ساجدة خير الله طلفاح المقيمة في الدوحة، والزوجة الثانية لصدام حسين السيدة سميرة الشهبندر، المعتكفة حالياً في منفاها واعتادت أن لا تصرح بأية معلومات عن زوجها منذ خروجها إلى سوريا ولبنان واختفائها الإختياري.
مما مهد لرغد صدام حسين بحكم تكوينها القيادي ممارسة دور الوريثة الأولى لوالدها، وتحظى بالطاعة من أسرتها الصغيرة والكبيرة معاً بعد أن فوضها والدها التصرف بمذكراته، وها هي ذي تنشر الجزء الرئيسِيَ
حلم يرويه لإبنته
بدأت رغد بنشر الرسالة الأولى لوالدها بدءاً من الخامس من شهر مايو 2004 على صورة حلم يرويه لإبنته يحمل في طياته طرفة. وفي تفاصيل الحلم بحسب المذكرات أنه كان وقت صلاة الصبح، حيث رأى وكأنه يجتمع مع عراقيين وفجأة سقطت “صرة من قماش من داخل بنطاله”.
وفسر صدام حسين الحلم الأول على أنه يدل على دخوله المستشفى أو إحتمال إجراء عملية جراحية لإزالة “شيء مؤذ من جسمه”، وتبين لاحقاً صحة رؤيته، إذ تم نقله إلى المستشفى وتشخيص وجود حصى في المرارة تهدد الكبد والمعدة، مما استدعى تدخلاً طبياً.
وفي مذكرات اليوم التالي يروي علاقته بالأطباء الأميركيين لا سيما طبيب اسمه “جورج” أبدى اهتماماً بمجيئه أو غيابه وكيف خضع لعلاج ورافقه قلق الأطباء قبيل إجراء عملية له من دون أن يحدد طبيعتها.
ثم يواصل الكتابة عن تفاصيل حديثه مع الأطباء لتشخيص حالته الصحية، وإبلاغهم إياه أنه سيتم نقله إلى المستشفى بطائرة مروحية حفاظاً على سلامته، مما دفعه إلى الإستنتاج أن “المقاومة نشطة وقادرة على الوصول إلى أهدافها”.
الفجر الأحمر
وتبدأ الصفحة الأولى من المذكرات منتصف مايو 2004، أي بعد نحو 5 أشهر من اعتقاله على يد القوات الأميركية في 13 ديسمبر 2003، بعملية عسكرية أُطلق عليها «الفجر الأحمر» في قضاء الدور قرب مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين.
وفي الصفحة العاشرة يفتتح صدام حسين الكتابة بآية قرآنية، ومن ثم يعقبها بمجموعة أبيات شعرية يبدو أنها من نظمه، وتتعلق بالتوكل على الله والفخر ومجابهة الصعاب.
وبعد ذلك يكتب متغزلاً في بلاده التي دخلها الغزاة، ثم يوغل في سرد تفاصيل يومه العادي وطريقة غسله لملابسه، وتضرر أضلاعه بعد نقله على ظهر عجلة مدرعة أميركية.
وفي وقت لاحق يتحدث عن قرار الأطباء علاجه من مرض التهاب البروستاتا الذي كان مصاباً به، ولمدة أربعة أسابيع، ويقرر بعد ذلك فيما إذا كان بحاجة إلى تدخل جراحي.
حلم يراوده
في الصفحة 22، يعود صدام إلى كتابة حلم كان راوده ورأى فيه زوجته ساجدة خير الله الذي يسميها «أم عدي» وآخرين لم يتعرف عليهم، ثم يتحدث بعد ذلك عن وصول بعض الهدايا له من ابنته الثانية رنا، وأعرب عن شعوره بالألم لتكبدها قيمة تلك الهدايا فيما هي أكثر حاجة للأموال مع أطفالها المقيمين في الأردن.
وفي أربع صفحات لاحقة لم يكتب شيئاً «لعدم وجود حدث مهم»، ثم وضع حرف «إكس» على الصفحة 28، ثم واصل في صفحات عديدة كتابة أبيات من الشعر العمودي.
في الصفحة 38، يتحدث عن أنه لم يسمع خلال أيام دوي انفجارات وعيارات نارية، فاستنتج أن «الرفاق المقاومين عرفوا بمكان وجوده في المعتقل، وأوقفوا ذلك ليجنبوه الأذى».
وفي الصفحة الأخيرة يكتب مجموعة أبيات للشاعر أبي الطيب المتنبي، وضمنها البيت القائل: «من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام».
ويكمل لإبنته كيف جاء طبيبان أميركيان ليعاينا حالته، وعلق على أحدهما “كان متعجباً كيف أتصرف بهدوء”، بينما يشكو مرضى آخرون من أبسط الأعراض”، موضحاً “ابتسمت ولم أعلق بشيء”.
أطباء لا يعرفهم ولا يثق بهم
وتمضي رغد في سرد مذكرات والدها الذي بدا مدركاً لأزمته في السجن، واعتلال صحته وتدهورها التي تتطلب علاجاً ليس كما كان يتوقعه وهو على عرش بغداد ومستشفى ابن البيطار المجهز بأهم الأطباء العراقيين والأجهزة الحديثة.
فهو الآن تحت رحمة أطباء لا يعرفهم ولا يثق بهم لكنه مضطر إلى الخضوع لفحوصاتهم وأدويتهم، على رغم تأكيد الطبيب جورج وتطميناته.
وبات يفكر بآلام المرارة وحصى الكبد: “عدت أدقق في شكوك الأطباء حول المرارة واحتمال وجود حصى فيها، والكبد واحتمال إصابته، ولكن قياساً إلى النشاط الذي أنا عليه بما في ذلك ري الحديقة مرتين في اليوم لا يوحي بإمكانية مرض كامن”.
وتساءلت صدام حسين إن كانت آلامه بسبب “الضرب” الذي تعرض له في أنحاء جسده وأن ذلك أثر في صحته.
النظافه بالنسبة لى أهم ما ينبغى أن يراعى فى الحياه
وينشغل صدام طويلاً في مذكراته بصحته وتفاصيل الفحوصات التي خضع لها، ونوع الطعام الذي قدم له مؤكداً “إن النظافة بالنسبة لي من بين أهم ما ينبغي أن يراعى في الحياة، كواحدة من ضرورات إدامتها بعد التوكل على الله، وقد حافظت على هذا المبدأ وحاولت أن أعلمهم أهميتها”.
متابعاً “وجدت البورتوريكيين أنظف من الأميركيين نسبياً، وكانوا ينتبهون إلى إجراءاتي في الوقاية والنظافة، أكثر من الأميركيين، ربما لأن جزيرتهم سياحية أو لأصلهم العربي، أو لتعلم أجدادهم هذا من العرب الذين كانوا في الأندلس، فنقلت إليهم عبر الأجيال”.
اعجابه بالبورتوريكيين دون غيرهم
ويسهب صدام حسين في قصاصاته المكتوبة بلغة عربية لافتة ليروي جوانب من علاقاته مع حراسه وكيف تعامل معهم بلطف ليكسب ودهم مع إعجابه بالبورتوريكيين دون غيرهم، الذين يكنون له “الود” لأصولهم العربية أو معرفتهم بالثقافة الأندلسية التي تفسر نظافتهم في المعتقل، واهتمامه المفرط في بيئة المعتقل، وري الأشجار التي نالت كثيراً من صفحات مذكراته، ثم تحول خطابه ورسائله للتضرع وكتابة الأدعية.
كانت العادة جرت قبل الإطاحة بنظامه عام 2003 أن تقام احتفالات واسعة بيوم مولد صدام حسين
وتتضمن المذكرات أيضاً مجموعة من الأشعار، بعضها للمتنبي وبعضها لغيره، تتناول مواضيع العفو وإعادة الحق والقصاص.
يناجى حبيبته
ولم ينس استذكار حبيبته ومناجاته لها متسائلاً في إحدى قصاصات الصليب الأحمر الورقية التي حصلت عليها رغد: “هل جرب أحدكم أن ينظر إلى عينها بصورة مباشرة، في لحظة يرى حبيبته بعد أن يصف كيف يعاني في الفراق جوى، حبيبتي يا عين وأهداب وإباء، وهل يمكن لجراحك أن تشفى؟”.
ثم يعود ليكرر في الرسالة نفسها ما قاله له الطبيب الأميركي عن صحته وتراجعها والحاجة إلى تدقيق إشعاعي وإلكتروني، مع الإسهاب عن نقله بالطائرات إلى المستشفيات التي نظمها الجيش الأميركي في مناطق مجهولة لإجراء الفحوصات والمعاينة.
قريب له وشى به
وفي إحدى أوراقه يكشف صدام حسين اسم قريبه الذي وشى به واصفاً مكان اختبائه بـ”بيت الخيانة والعار”: “هو بيت قيس نامق جاسم في مدينة الدور، كنت أشرب القهوة، وإن كان بصورة متقطعة وغير موصولة، بعد أن تركتها قرابة الشهرين قبل ذلك، ولكنني عندما كنت في بغداد قبل أن اضطرتني ظروف الغزو ودخول جيوش العدوان بغداد بيومين أن أرحل منها”.
موضحاً أنه لم يكن يشرب القهوة بمفرده وإنما في مجلس الأحباب والرفاق مع السيجار، مضيفاً “بعد أن اكتشفت النخلة الجديدة في الثيل (نوع نباتي عشبي) أتاح لي ذلك الجلوس على كرسي، مما جعلني أدقق في الثيل بحثاً عن أي شيء جديد، وسروري بالاكتشاف جعلني أرغب في شرب فنجان قهوة”.
ويعود صدام حسين ليسهب في الحديث عن أحلامه مستذكراً بعض أفراد أسرته وآخرين واستذكار أمجاد هوت ولم تعد قابلة للإصلاح.